lundi 22 juillet 2013

عبد المجيد الشرفي : إسلام البترول ليس من مصلحته أن تنجح الديمقراطيّة في العالم العربيّ !

charfi         حماس2 

أجرى الحوار: مختار الخلفاوي

داخل حقل الدراسات الإسلاميّة والحضاريّة، انطلق الأستاذ عبد المجيد الشرفيّ في بناء مشروعه الفكريّ من تشخيص أوّلي مفاده أنّ الإسلام التقليديّ قد فقد قدرا كبيرا من قيمته التفسيريّة للكون، وأنّ المسلم الذي يعيش مع القرآن وضعا تأويليّا مستمرّا صارت حاجتُه، اليوم، ماسّة إلى تحيين الرسالة القرآنيّة بحسب مقتضيات الحداثة. 
ضمن هذا الأفق، تنزّلت الرهانات التحديثيّة والتنويريّة في مشروع المفكّر عبد المجيد الشرفيّ. وهي رهانات تشتغل على تاريخيّة النصّ التأسيسيّ وما سيّجه من نصوص تفسيريّة وحديثيّة وفقهيّة وأصوليّة وكلاميّة. والغاية من كلّ ذلك هي نفسها الغاية من كلّ جهد نقديّ ينصبّ على تحديث الفكر الدينيّ: قراءة تحاول أن تخترق الطبقات التأويليّة التاريخيّة من أجل الخلوص إلى روح الإسلام ومقاصده الأساسيّة.
مدار الحديث مع عبد المجيد الشرفي كان على محوريْن، آنيّ وزمانيّ. ولذلك، فقد امتدّ ليشمل قراءته للشأن الجاري كالربيع العربيّ الذي يؤول “خراجه” إلى حجر الإسلامويّين، واستشرافه لآفاق هذه التجربة في تونس وفي المنطقة وغير ذلك من المواضيع..
وفي ما يلي نص الحوار كاملا
:
- الأستاذ عبد المجيد الشرفي باعتبار أنّك من أهمّ المشتغلين في حقل الإسلاميّات الذين راكموا رصيدا بحثيّا مهمّا في الموضوع ربا على عشرات العناوين من الكتب والدراسات، هل المهمّة التي ندبتَ إليها أعمالك هي تجديد الفكر الإسلاميّ أم تحديثه على ما بين التجديد والتحديث من فرق؟

-  أنا من القائلين بالتحديث لا بالتجديد. أقول ذلك لأنّ المسألة لا تتعلّق بجديد، والجديد ليس كلّه حسنا كما أنّ القديم ليس كلّه سيّئا. أقصد بالتحديث الانخراط في أنماط من السلوك مرتبط بالمدّ الحضاريّ.
ألحّ على المقتضيات المعرفيّة لأنّ القيم التي يستند إليها التديّن التقليديّ لا تعترف بقيمة الفرد ولا تؤمن بالحرّية ولا بالمساواة. هذه ركائز الحداثة الثلاث. وبما أنّ التديّن التقليديّ هو قراءة للنصوص التأسيسيّة فتحديث الفكر الدينيّ هو قراءة أخرى مخالفة، ولكنّها تسعى لأن تكون وفيّة لروح الإسلام ولمقاصده الأساسيّة
.
- من المسائل المطروحة على من تصدّى للاشتغال على تحديث الفكر الدينيّ في المجال الإسلاميّ أنْ يميّز قراءته للنصّ التأسيسيّ عن قراءة ذوي الفهوم التقليديّة. وفاء لروح الإسلام ومقاصده الكبرى، ميّز بعض المجدّدين وأخصّ بالذكر المفكّر السوداني محمد محمود طه (الذي أعدمه نظام النميري- الترابي سنة  1985) بين رسالة عامّة كان مجالها مكّة، ورسالة خاصّة مناسبة لأوضاع القرن السادس الميلاديّ داخل المدينة. وخلص إلى أنّه من الوجيه اليوم استحضار الرسالة العامّة في الإسلام لا الخاصّة.. هل توافق هذا التمييز وما يترتّب عليه من نتائج؟

- كنت قد عبّرت عن موقفي من محمّد محمود طه في كتابي “الإسلام بين الرسالة والتاريخ”. وقلتُ إنّي لا أميّز بين القرآن المكّي والقرآن المدنيّ، وإنّي أعتبر أنّ هناك تواصلاً في الرسالة المحمّديّة، ولكنْ هناك في الآن نفسه أخذ الظروف الخصوصيّة للمجتمع المدنيّ بعين الاعتبار. ولهذا، فهناك تطوّر من هذه الناحية، بينما تركّزت أطروحة محمد محمود طه على القطيعة. هذا ما أختلف فيه معه. ولهذا، على المسلم، اليوم، أنْ يتبيّن ما في النصّ القرآني كلّه لا فقط في ما نزل بمكّة، وأنْ يميّز فيه بين ما هو ظرفيّ وما هو من أسس الدين. وأسُس الدين العقديّة والأخلاقيّة في نظري لم تتغيّر. ولهذا السبب، فإنّ القراءة التحديثيّة هي قراءة تحاول أن تخترق الطبقات التأويليّة التاريخيّة لتتوصّل إلى ما قصده القرآن حتّى من خلال اعتباره للظروف الخاصّة بالمجموعة الإسلاميّة الأولى.
المشكل هو أنّ أغلب المسلمين حين يقرؤون القرآن يقرؤونه عبر هذه التأويلات التاريخيّة، فلا يقومون بهذا المجهود الذي يخترق تلك الطبقات التأويليّة. وهذا يمكن التأكّد منه من خلال عديد الأمثلة. على سبيل المثال مفهوم الزكاة الذي هو مفهوم جوهريّ موجود في القرآن المكّي (الحديث عن الصدقة والإحسان إلى الفقير)، وفي الإسلام المدنيّ على حدّ السواء. المفهوم هو هو. ما أتى به الإسلام من جديد هو أنّ للفقراء حقّا في مال الأغنياء. وهذه ثورة كبرى هي التي تعكسها، اليوم، الضرائب التي تفرضها الدولة على الأغنياء. ما هو نصيب المال الذي يستدعي الزكاة؟ كيف توزّع هذه الزكاة؟ ما هي الوجوه التي تصرف فيها؟ إلى غير ذلك.
هذه تراعي الظروف التاريخيّة ولكنّها ليست الجوهر. من خلال هذا المثال نرى أنّ هناك تواصلاً في هذا المبدإ من القرآن المكّي إلى القرآن المدنيّ. ونلاحظ في الآن نفسه أنّ هذا المبدأ قابل لأنْ يطبّق في عصرنا بطرق تختلف عن الطرق التي تمّ اتّباعها في القديم. هذا مثال من الأمثلة. وهو ما يجعلني لا أميّز بين إسلام مكّي وإسلام مدنيّ، وإنّما أميّز بين المبادئ والأحكام الظرفيّة
.
- كان الطاهر الحدّاد قد ميّز، مبكّرا، بين ما جاء به الإسلام وما جاء من أجله. وبيّن وجاهة الأخذ بمقاصد الإسلام أو المقاصد التي جاء من أجلها الإسلام. الرأي ذاته ما ذهب إليه الشيخ الطاهر بن عاشور حين جعل من الحرّية رأس تلك المقاصد. فهل يمكن، بمعنى ما، أنْ ندرج هذا الفكر المقاصديّ في الإسلام ضمن حركة الإصلاح الدينيّ؟

-موقفي هو غيرُ موقف الطاهر الحدّاد. الحدّاد كان داعيةً إلى هذا التمييز بين ما جاء من أجله الإسلام وما جاء به من أحكام. موقفي هو موقف المؤرّخ لا موقف الداعية. وهو ينبع، كذلك، من نظرة مقارنيّة إلى تاريخ الأديان. فأنا لا أدعو إلى أنْ يتبع قرّائي ما أفسّره وما أفهمه من النصّ القرآنيّ أو من الدين عموما. ما أحاوله هو أنْ أكشف ما هو مغيّبٌ في الضمير الإسلاميّ وأحاول أنْ أعين المسلم المعاصر على الوعي بالمآزق التي يؤدّي إليها الفهم التقليديّ.
وبصرف النظر عن هذا الفرق بين موقف المصلح وموقف الباحث المؤرّخ فمن الواضح أنّ هذا الفهم المقاصديّ هو، كما قلتُ، أكثر انسجاما مع المقتضيات المعرفيّة والحضاريّة المعيشة
.
لا يبدو، إلى حدّ الآن، أنّ محاولات الإصلاح الدينيّ في المجال الإسلاميّ بما فيها جهود محمّد إقبال ومحمّد أركون وفضل الرحمان ومحمّد محمود طه وغيرهم قد أثمرت مراجعات جوهريّة تجعل من الإسلام صالحا لهذا العصر. هل إنّ الإسلام عصيّ على الحداثة؟
  
- الجواب بكلّ تأكيد هو لا. ليس هناك تنافرٌ بين الإسلام والحداثة لأنّهما مفهومان ينتميان إلى حقليْن مختلفيْن كلّ الاختلاف. الإسلام دينٌ أي إنّه مجموعة عقائد وسلوكات. والحداثة نمط حضاريّ هو النمط الموجود في عصرنا رغم أنّ هناك من يعتبر أنّنا نعيش ما بعد الحداثة.  أعني بالحداثة ذلك النمط  الذي نشأ في الغرب، وأصبح، الآن، كونيّا. هذا النمط الحضاريّ يمكن أن يوجَد لدى المسلمين ولدى المسيحيّين ولدى اليهود ولدى البوذيّين ولدى الهندوسيّين لأنّه لا يمسّ العقائد والسلوكات التي يقوم عليها الدين، وإنّما هو يمسّ أنماطا من التديّن لا تقرّ، مثلاً، بمنزلة الفرد، أو لا تقرّ بحرّية الإنسان، أو لا تؤمن بالمساواة. ولا أظنّ أنّ في الإسلام – بصفته دينا لا بصفته تاريخا – ما يتعارض مع هذه القيم التي قامت عليها الحداثة. التعارض موجود ولا بدّ من الإقرار به، ولكنْ هو تعارض بين فُهوم مختلفة للإسلام. تعارض بين فُهوم تاريخيّة وفُهوم تعطي للعقل، مثلا، مكانة لم تكن له دائما في القديم، وتعترف للمرأة بمنزلة مساوية للرجل لم يكن معترفا لها بها في كلّ الحضارات القديمة. هذه القيم التي يمكن أنْ نسمّيها حداثيّة هي في الواقع مستمدّة من تراكم للتجربة البشريّة، وفي الآن نفسه متجاوزة لهذه التجربة التاريخيّة.
إذن، يصعب على من يتشبّث بالقيم التقليديّة أنْ يوفّق بينها وبين الحداثة. لكنْ يمكن للإنسان أنْ يبقى مسلما وأنْ يتبنّى هذه القيم الحداثيّة. وهذا هو سبب موقفي من عدم التنافر بين الأمريْن
.
يبدو أنّ خراج هذا “الربيع العربيّ” قد آل إلى حجر الإسلامويّين، كما يبدو أنّ مطالب المنتفضين والمحتجّين المدنيّة والحيويّة قد غطّت عليها، الآن، المطالب الهوويّة والاستيهاميّة. كيف تفسّر ذلك؟ (المقابلة كانت قبل التطوّرات الأخيرة في مصر
)
- هذه الظاهرة ليست غريبة إذا ما قارنّاها بسائر الثورات عبر التاريخ. الأمثلة عديدة على أنّ الثورات تعوقها الثورات المضادّة. وهذا الانحراف عن المبادئ التي نادت بها الثورة أمر طبيعيّ غير مستغرب، وإنْ لم تكنْ بالضرورة أمرا محتّما. ولكنْ رغم ذلك فقد أحدث الربيع العربيّ في ضمير المواطنين رجّةً لا بدّ أنْ تظهر آثارها على المدى المتوسّط والبعيد. فلأوّل مرّة في التاريخ العربيّ يكون للإرادة الشعبيّة قدرة على طرد حاكم مستبدّ. ولذلك فلا يمكن رغم كلّ المحاولات أنْ تقبل هذه الشعوب في المستقبل بعودة الاستبداد وإنكار حقّ الشعوب في الممارسة الديمقراطيّة. بعبارة أخرى، لا ينبغي أنْ نقيس صعوبات الواقع إلاّ على ضوء المدى التاريخيّ الطويل. أمّا على المدى القصير فالمسألة رهينة موازين القوى في المجتمع لا أكثر ولا أقلّ. ينبغي أنْ لا نغترّ بالخطابات لأنّ الواقع أصلب من الخطاب
.
- عرّى زلزال الرابع عشر من جانفي 2011 طبقات التحديث والعصرنة في تونس. وقدّمت انتخابات 23 أكتوبر 2011 وعمليّات سبر الآراء التي أعقبتها تشخيصا تقريبيّا لحال المجتمع التونسيّ وبُناه السياسيّة والفكريّة حجبته عنّا أوهامنا التحديثيّة في التعليم والثقافة على وجه الخصوص. فأين ترى – أستاذ الشرفيّ – مواطن الخلل والخطإ المعلّقة على مشاريع الإصلاح الدينيّ والتحديث الفكريّ وقد كنتَ من الخائضين فيهما طيلة العقود الأخيرة؟

- كتبتُ في ثمانينات القرن الماضي أو في بداية التسعينات فصلا اعتبرت فيه أنّ الإسلامويّين هم ضحايا التحديث المنقوص بقدر ما هم أعداؤه. وأظنّ أنّ تحليلي هذا هو الذي أكّدته الأحداث التي عشناها منذ الثورة.
التحديث المنقوص تجلّى في هذا التفاوت بين الجهات، وكذلك في التراجع المأسويّ في برامج التعليم وفي هياكله بصفة عامّة منذ السبعينات. لقد تخرّجت من صلب نظامنا التعليمي منذ ذلك الوقت أجيال يغلب عليها التفكير الجماعيّ، ولم تدرّبْ على التفكير الحرّ، ولم تتشبّع بالحسّ النقديّ. وهذه هي الأرضيّة التي كانت مهيّئِةً لصعود الإسلام السياسيّ إلى الحكم. هذه نقائص في العمليّة التحديثيّة التي عاشتها تونس لا يمكن إنكارها. ولكن التحديث الذي عاشته تونس عرف، كذلك وفي الآن نفسه، نجاحات هي التي تبعث على التفاؤل. من هذه النجاحات مجلّة الأحوال الشخصيّة وسياسة التنظيم العائليّ وارتفاع مستوى الدخل، وحركة تصنيعيّة هامّة، وازدياد معدّل الأمل في الحياة، والقضاء على عدد من الأوبئة والأمراض الفتّاكة التي كانت تنخر المجتمع التونسيّ قبل الاستقلال.
هذه النجاحات تتعلّق لا بالظواهر العرضيّة فقط وإنّما بالبنى التي يقوم عليها المجتمع. ولذلك، فهي باقية حمّالة لأسباب التجاوز لتلك النقائص التي تحدّثنا عنها في البداية. على سبيل المثال، لا يمكن، اليوم،  العودة إلى الأسرة البطريركيّة التقليديّة. ولا يمكن رغم ما نسمعه من دعوات إلى العودة بالمرأة إلى الوضعيّة الدونيّة التي كانت عليها. ولا يمكن لتونس أنْ تنغلق على العالم من حولنا، أي على عكس الخطاب الهووي الذي ذكرتَه منذ حين. وكلّ هذه عوامل لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار لتحليل هذه القوى الموجودة في المجتمع والتي لا يمكن أنْ تتمّ فيها الغلبة في النهاية للقوى الماضويّة أو قوى الردّة رغم كلّ الصعوبات
.
- الظاهرة السلفيّة بمختلف درجات تعبيرها تهدّد بحرف عجلة الانتقال عن مسارها في تونس وسائر دول “الربيع العربيّ”. هل يمكن الحديث عن إحداثيّات أفرزت هذه الظاهرة، وما هو مستقبلها في المدى المنظور؟

- الظاهرة السلفيّة لا يمكن تفسيرها بمعزل عن القوى التي تدعمها أي ما يسمّى “إسلام البترول”. و”إسلام البترول” ليس من مصلحته أن تنجح الديمقراطيّة في أيّ نظام من الأنظمة العربيّة القائمة. ولذلك، فهذا التيّار الذي هو هامشيّ اجتماعيّا والذي هو ظاهرة إعلاميّة أكثر منه ظاهرة مجتمعيّة واسعة مشكلته الأساسيّة هي عدم الوعي بأنّه يخدم المصالح المناوئة للعرب والمسلمين عامّة. ولنقلها بصراحة إنّ التيّارات السلفيّة تنخرط عن غير وعي في تطبيق المخطّطات الإسرائيليّة والإمبرياليّة التي تريد أنْ يهتمّ المسلمون بإطلاق اللّحية أو حلقها، وبتغطية شعر المرأة من عدمه عوض أنْ يهتمّوا بخلق الظروف التي تسمح لهم بالإسهام في المنجزات الحضاريّة المعاصرة التي هي منجزات علميّة وتكنولوجيّة لا تعترف بأنّ هناك حدودا للمعرفة، وتقرّ بقيم أساسيّة من أبرزها المبادرة ونبذ التقليد وتحمّل المسؤوليّة الفرديّة لا الجماعيّة. وهكذا، يكون هذا التيّار مجدّفا ضدّ حركة التاريخ، ويمكن أن يعرقلها إلى حدّ ما، لكنّه لم ولن يستطيع إيقافها
.
تركّزت الاستعراضات الشعبويّة ذات الغطاء الدينيّ على أهداف رمزيّة مخصوصة. شهدنا غزوات ضدّ السينما وبعض العروض المسرحيّة والندوات الفكريّة. وعشنا اعتصامات في كلّيات الآداب والفنون بمنّوبة وسوسة والقيروان. وتابعنا غزوة ضدّ الأعمال الفنّية في معرض “العبدليّة”. وفي أثناء ذلك كلّه عشنا ومازلنا نعيش حملات تخوين وشحن وتجييش ضدّ الفنّانين والنخب والمثقفين؟
ما هي الدلالات المستخلصة من هذه الأهداف في علاقة بتيّار وصفتًه، منذ حين، بالهامشيّ ومحدود التأثير؟

- أكاد أقول إنّ هذه المواقف منتظرةٌ لأنّ أصحابها قد غاب عنهم هذا الوعي الذي كنتُ أتحدّث عنه، ولأنّ مجال العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة يقوم على حرّية البحث وعلى الإضافة كما أنّ ميدان الفنون بصفة عامّة يقوم على الحرّية وعلى نكران الضوابط الأخلاقويّة. فتصدّى التيّار السلفيّ لهذه الحرّية في مختلف تجلّياتها إنّما هو من طبيعة الأمور. لكنْ في المقابل فإنّ تصدّي المجتمع المدنيّ لهذه المواقف كان تصدّيا لافتا بل أقول إنّه نجح في إفشال هذه الدعوات إلى الحدّ من الحرّية. كلّ هذا يؤكّد أنّه إنْ لم تكن هناك حتميّة تاريخيّة فهناك على الأقلّ قواعد عامّة تسير حسبها المجتمعات. وهذه القواعد العامّة التي يسير حسبها المجتمع التونسيّ لا يمكن أنْ تسمح للظاهرة السلفيّة بأنْ تتجاوز حدودها الهامشيّة. فلن تستطيع هذه الظاهرة، إذن، أنْ تحتلّ وسط الميدان وأنْ تتحكّم في توجّه المجتمع كلّه

- هل يمكن المراهنة – باعتبار مقتضيات الحكم وإكراهاته – على مراجعات جذريّة في صلب حركات الإسلام السياسيّ؟

-  المراجعات سبيل القائلين بمعقوليّة الفكر والسياسة. في موضوع الحركات الدينيّة بوجهيها الدعويّ والسياسيّ لم تقع أيّة مراجعات مهمّة، ناهيك أنّ هذه الجماعات تعيش حالة يُتْم منذ رحيل سيّد قطب الوحيد الذي يمكن أن نطلق عليه صفة المفكّر بين رموز هذه التيّارات. وعسر هذه المراجعات، بالأساس، يعود إلى أنّ هذه الحركات تأسّست على نمط الجماعات الفاشيّة. وللعلم فحركة “الإخوان المسلمين” تأسّست في الوقت ذاته الذي نشأت فيه النازيّة والفاشيّة في أوروبّا. المشترك بين الفاشيّة وبين هذه الحركات أو الجماعات يمكن تلخيصه في ثلاث سمات: السمة الأولى تقديس الزعيم وتنزيهه، فالزعيم لا يخطئ ولا ينطق عن هوى. السمة الثانية هي الشعبويّة، فهذه الحركات تساير الرأي العامّ، وتدغدغ عواطف الجمهور. والسمة الثالثة هي الانضباط الكامل. من هنا تفسير الطاعة العمياء للقيادات والانصياع التامّ للقرارات والأوامر دون تفكير أو مناقشة
.
صرنا في المدّة الأخيرة بصدد مقايضة غريبة بين الجامع والجامعة. جامعيّون تونسيّون يشدّون الرحال إلى دول الخليج وتخصيصا إلى المملكة العربيّة السعوديّة للعمل في مؤسّسات التعليم العالي فيها، وفي المقابل تشدّ وفود من مشايخ الوهابيّة الرحال إلينا. هل نحن بصدد مقايضة العلماء بالدعاة، وهل تستجيب هذه المقايضة إلى سوق العرض والطلب؟

- أظنّ أنّ هذه “الظاهرة” هي التي تسمح لنا بالتمييز بين القوى الفاعلة في المجتمع، وتمكّننا من معرفة وزن هذه القوى. ففي دول الخليج كذلك – إلى جانب الأيديولوجيا الرسميّة بما فيها الوهابيّة – قوى تسعى إلى التحديث وإلى التقدّم، ولذلك فهي تستنجد بالكفاءات التونسيّة وغير التونسيّة. كما أنّ في تونس قوى معاكسة للتيّار الذي يسير فيه المجتمع وتسعى إلى العودة به إلى نظام مثاليّ متخيّل، ولذا فهي تجلب هؤلاء الدعاة.
في كلتا الحالتيْن، يمكن أن نستشفّ قيمة هؤلاء و أولئك ومن هو الذي من الفريقيْن يبني و من يهدم

بخصوص الجامعة والجامع، يدور في تونس منذ أشهر حديث عن “عودة التعليم الزيتونيّ الأصليّ”. وهو حديث مصحوب بخطوات عمليّة في تركيز “مؤسّسات” هذا التعليم انطلاقا من جامع الزيتونة ووصولا إلى فروعه بالجهات. هذه العودة الإشكاليّة زادها ريبة وغموضا التسرّب الوهابيّ في مسالك التعليم الدينيّ الموازي من خلال استثماراته بالوكالة في رياض الأطفال ومدارس النشء “القرآنية” و”الإسلاميّة”.. ماذا تقول – أستاذ الشرفي – عن هذه العودة، وهل هي عودة ممكنة؟ وما هي المحاذير المحتملة من انتشار هذا التعليم الديني الموازي؟

- هذا التعليم ليس له من الزيتونيّ إلاّ الاسم. إنّ الزيتونة قد قامت بدور رياديّ في عصرها، ثمّ تقلّص هذا الدور مع نشوء حاجات جديدة وعقليّات جديدة وظروف جديدة. وكان الطلبة الزيتونيّون هم أوّل الواعين بهذا الانحدار الذي عاشته هذه المؤسّسة العريقة والذي كان مشائخ الزيتونة، بدعم غير مباشر من السلط الاستعماريّة، مسؤولين إلى حدّ كبير عن العجز عن تلافي ذلك الانحدار. ولهذا، فما نشهده، اليوم، لا صلة له بتاريخ تونس وتاريخ التعليم الدينيّ فيها. هذه “العودة” هي أحد إفرازات القوى الماليّة التي تتوفّر لأنظمة الخليج والتي تسعى من خلالها إلى بسط هيمنتها. ولكنْ أنا على يقين من أنّ هذه المساعي لن تجد في تونس المناخ الملائم لكيْ تعمّ فيه وتنتشر على نطاق واسع.
لنعتبرْ أنّها تمثّل موقف الهامشيّين على غرار كلّ الظواهر الهامشيّة الأخرى التي توجد في المجتمع، ولكنّها ليست هي التي توجّهه في بناه الأساسيّة، وفي توجّهاته العامّة
.
- أستاذ الشرفي، في إجاباتك على الإشكاليّات القلقة في الشأن الجاري تفاؤل يقترب من درجة الاطمئنان. بالرغم من دقّة المرحلة التي يجتازها التونسيّون اليوم فإنّك تبدو على درجة من التفاؤل والإيمان بأنّ التهديدات المحدقة بالبلاد ليس لها أثرٌ في العمق، وأنّ لا مستقبل للتعبيرات النكوصيّة والماضويّة

قلتُ بأنّ التيّارات السلفيّة من التيّارات الهامشيّة. وذكرت لك أنّ الظاهرة السلفيّة لا تفهم بمعزل عن “إسلام البترول”. ولكنْ، في بلاد ليس فيها ثروات نفطيّة، ويقوم فيها دخل الدولة على دافعي الضرائب بالأساس سيكون للشعب الكلمة الفصل. في تونس خصوصا، يمكن الحديث عن مقاومة جدّية لظواهر النكوص بسبب من عامليْن : وجود طبقة وسطى متماسكة نوعا ما، وتوفّر وعي مواطنيّ يميل إلى الانفتاح والاعتدال والتسامح. لهذا ولغيره، لن يكون لهذه التعبيرات الماضويّة مستقبل أو آفاق علي المدى المتوسّط وعلى المدى البعيد.  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باذن من الاستاذ مختار الخلفاوي ننشر حواره مع الدكتور عبد المجيد الشرفي الذي نشر في مجلة الفكرية الفصلية.

حقائق أون لاين Hakaekonline

http://www.hakaekonline.com/?p=23050

lundi 8 juillet 2013

It is capitalism, not democracy, that the Arab world needs most

To watch events in Egypt is like seeing a videotape of the Arab Spring being played backwards. The ballot box has been kicked away, the constitution torn up, the military has announced the name of a puppet president – and crowds assemble in Tahrir Square to go wild with joy. The Saudi Arabian monarchy, which was so nervous two years ago, has telegrammed its congratulations to Cairo’s generals. To the delight of autocrats everywhere, Egypt’s brief experiment with democracy seems to have ended in embarrassing failure.
Normally, Western leaders would be lining up to deplore a coup d’etat, but yesterday even William Hague seemed lost for words. As a rule of thumb, he says, Britain prefers civilian rule. But when asked to condemn the Cairo coup, he declined. The Arab world’s Twitter accounts, once full of revolutionary optimism, have turned into a depository of despair. “Egypt has taught me that democracy is a lie and an elected president is a myth,” wrote Ahmed al-Husseini, a Sunni preacher from Bahrain. “No parliament, no elections, no ballot boxes. All lies.”
He has a point. Egypt’s election turned out to be like an Irish EU referendum: voters could give any answer they liked, as long as it was the right one. The army didn’t like how things were going, so it has asked voters to choose again. While the West was celebrating Egypt joining the comity of democratic nations, Egyptians themselves were sliding into an economic abyss, with terrifying shortages of fuel, food and security. Sectarian violence has been thrown into the mix, with persecution of the Coptic Christians followed by Sunni v Shia strife. The murder rate trebled. Things were falling apart, which is why the generals were welcomed back.
But the Arab Spring was a demand for freedom, not necessarily democracy – and the distinction between the two is crucial. Take, for example, the case of Mohammed Bouazizi, who started this chain of events by burning himself alive on a Tunisian street market two years ago. As his family attest, he had no interest in politics. The freedom he wanted was the right to buy and sell, and to build his business without having to pay bribes to the police or fear having his goods confiscated at random. If he was a martyr to anything, it was to capitalism.
All this has been established by Hernando de Soto, a Peruvian economist who travelled to Egypt to investigate the causes of the Arab Spring. His team of researchers found that Bouazizi had inspired 60 similar cases of self-immolation, including five in Egypt, almost all of which had been overlooked by the press. The narrative of a 1989-style revolution in hope of regime change seemed so compelling to foreigners that there was little appetite for further explanation. But de Soto’s team tracked down those who survived their suicide attempts, and the bereaved families. Time and again, they found the same story: this was a protest for the basic freedom to own and acquire ras el mel, or capital.

Bouazizi killed himself after police confiscated all his fruit and a pair of second-hand electronic scales. This was all he had. He was a gifted trader; he had hoped to save enough money to buy a car and grow his business. On the face of it, losing some fruit and a £100 pair of scales seems like an odd basis for suicide. But having made enemies of the police, Bouazizi realised he would not be allowed to trade again. His family say he felt his life had ended and that, if he died for any cause, it should be that the poor should be able to buy and sell.

For most of the developing world, no such right exists. In theory, everyone is protected by law. But in practice, the process of acquiring a legal licence is so riddled with bribery and bureaucracy that only a small minority can afford to go through with it. To de Soto, this explains much of world poverty. Step out of the door of the Nile Hilton, he says, and you are not leaving behind the world of internet, ice machines and antibiotics. The poor have access to all of these things if they really want it. What you are leaving behind is the world of legally enforceable transactions of property rights. These traders do not really break the law – the law breaks them.

Take Fadoua Laroui, a Moroccan mother, whose suicide was filmed. She explained her reasons before setting herself alight. “I am going to immolate myself,” she said. “I am doing this to protest against hogra and economic exclusion.” Hogra means contempt towards small traders, the contempt which Bouazizi was shown by the police. A similar story was told by the survivors, and the relatives of the deceased. As Bouazizi’s brother explained to de Soto: “People like Mohammed are concerned with doing business. They don’t understand anything about politics.”

Technically, the law covers everyone. But under Hosni Mubarak, for example, opening a small bakery in Cairo took more than 500 days of bureaucracy. To open a business in Egypt means dealing with 29 government agencies. The same story is true throughout the region: the average Arab needs to present four dozen documents and endure two years of red tape to become the legal owner of land or business. If you don’t have the time or money for this, you are condemned to life in the black market: no matter how good you are, you will never trade your way out of poverty. Arabs are so angry about this that they are burning themselves alive.

William Hague said yesterday that Egyptians want the freedom to express their views and choose their governments. Stability, he said, “comes from democratic institutions”. Yet there has been depressingly little evidence of this stability in democratic Egypt – as the Saudis are gleefully pointing out. This sets a terrible example to other fledgling democracies: that if things get tough, the army can eject the government and start again. Whoever follows Mohammed Morsi as president will know that, in effect, he serves at the pleasure of the military.

A few weeks ago, de Soto told the US Congress that the West has fundamentally misread the Arab Spring and is missing a massive opportunity. Bouazizi, and the five Egyptians who self-immolated, spoke for 380 million Arabs who lack property rights or any legal protection. This applies to Britain: if we were to become champions of these people, and demand the extension of property rights in return for our foreign aid, it could be the most effective anti-poverty strategy ever devised. And it might make us millions of new friends in the Arab world

This is not a new idea, but the revival of an old one. As Margaret Thatcher once put it, “being democratic is not enough – a majority cannot turn what is wrong into right”. Freedom, she said, depends on the strength of the institutions: law and order, a free press, the police and an army that serves the government rather than supervises it. History is proving her right – in Russia, Afghanistan, Iraq and now in Egypt. The façade of democracy can be horribly deceptive; it is the strength of institutions that decides if nations rise or fall.

          Fraser Nelson is editor of 'The Spectator’
"The Telegrah", 04 Jul 2013