mercredi 30 avril 2014

بهدوء | الغازي أردوغان، تذكيرٌ لعشّاق العثمانية الجديدة

التفاهم العميق، وربما العاطفي، بين رجب أردوغان والجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق، لا يشبه ما يقوم به الغرب المنافق من استخدام سياسي لتلك الجماعات. فأردوغان متماه تماماً معها، ولا يشعر بأي انفصال نفسي إزاءها. وعلى الرغم من ذقنه الحليقة وبذلته الحديثة، فإن قلب الرجل وعقله، عثمانيان. وهو متعلق كلياً بتاريخ أجداده الذين لا يختلفون، من حيث الجوهر، عن الإرهابيين الشيشان و«داعش» و«النصرة» الخ.
بنو عثمان قبيلة رعاة قزوينية ذات ميول همجية، لم تمتلك سوى القدرة غير المقيدة بأي قيد أخلاقي على القتل والتنكيل (اقرأ: جئناكم بالذبح) وقد عزّزها إدعاء للإسلام ليس له وظيفة أيديولوجية توحيدية حضارية ثقافية لغوية ــــ كما كان الحال في الفتح العربي ــــ وإنما له وظيفة سيكولوجية جماعية هي تحييد الضمير الإنساني واسباغ القداسة على الجريمة واللصوصية. القبيلة الصاعدة على هامش أحطّ تمرد همجي ضد الحضارة، المتمثل بالغزو المغولي، تعلمت ذلك الدرس جيداً.
حين اجتاحت جحافل العثمانيين، سوريا، في العام 1516، كانت البلاد تختزن عناصر تقدمية تؤهلها للإفلات من فوضى النمط الآسيوي إلى الحداثة الرأسمالية؛ ومنها: غنى ثقافي كثيف وتعددية ديموغرافية ــــ اجتماعية وانتاج زراعي مؤهل للتوسع وتمويل الانتقال نحو الصناعة، وخبرات وتقاليد حرفية.
في تلك اللحظة التاريخية، كان يمكن لكونفدرالية تجمع شتات البلاد أن تدفع نحو التقدم الذاتي، لكن قبيلة الرعاة القزوينية التي مزجت دينها بالدماء، استطاعت أن تضم سوريا إلى امبراطوريتها؛ أسوأ امبراطورية عرفها التاريخ، العثمانية التي جمدت التطور السوري لأربعة قرون، بل قل أخرجت سوريا من التاريخ.
الإدارة العثمانية، كما يليق بقبيلة همجية، لم تزد عن كونها نظاماً لصوصياً؛ لم تقم بأي خطوة نحو التنظيم السياسي والأمني والاقتصادي والخدمي الداخلي، وإنما شجعت وأدارت الصراعات المحلية ومنعت كل محاولات التوحيد المحلية (ومنها إمارتا المعنيين والشهابيين) وأشعلت الفتن دائماً، بما يكفل سيطرة اسطنبول على الجميع، والحصول على الأتاوات لخزانة السلطان. الأسوأ أن ذلك التراكم من النهب لم يتحول إلى تركّز رأسمالي ورأسمالية، وإنما جرى تبديده في الإنفاق السلطاني.
المحاولة الكبرى لكسر الدائرة المفرغة من الجمود والتخلّف جاءت من مصر التي أخضع واليها، محمد علي، مواردها لإنشاء الصناعة وتحديث الدفاع وإحداث القفزة نحو الرأسمالية الحديثة. في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كان يمكن لمصر أن تلعب في سوريا دور المنظّم لقدراتها ومواردها وتمكينها من التحول إلى دولة قومية؛ فشل المشروع بسبب تدخل غربي استدعاه العثمانيون.
منذ وقت بعيد من تاريخها الأسود، تحوّلت «الخلافة العثمانية»، المحبوبة لدى قطاعات مجهلة من شعبنا، إلى محمية أوروبية، تحمي مصالح الإمبرياليين في بلادنا، وتشكل قفص الجمود التاريخي للشرق أمام التقدم الغربي. ومن الداخل، انطوت تلك «الخلافة» على أحطّ تنظيم سياسي عرفته البشرية. وسوف نترك لـ «خط كلخانة شريف» الصادر في العام 1839، في مسعى لإصلاح الدولة ــــ بسبب ضغوط التحدي المصري ــــ أن يصف واقع الخلافة في ذلك الوقت، يقرّر الخط: «منع بيع المناصب والامتيازات، ووقف الربا والرشوة والاعدامات بلا محاكمة ومصادرة الممتلكات وفرض الضرائب التعسفية، وانهاء التعدي على حرمات الحياة والشرف، ومنع استخدام السم والخنجر والتعذيب، ومنع احتكار الغذاء، والغاء تلزيمات جمع الضرائب، والشروع في المساواة بين أتباع الأديان... الخ».
إلا أن كل ذلك استمر، بشكل أو بآخر، حتى آخر يوم من حياة خلافة كانت أعظم مأساة في تاريخ سوريا والعرب. وكما بدأت الخلافة العثمانية تاريخها بمذابح على الجملة، لم تغادر التاريخ قبل أن ترتكب مذبحة القرن العشرين بحق مليون ونصف المليون أرمني؛ هذه المذبحة ليست فحسب جريمة ضد الإنسانية، وإنما، على الخصوص، جريمة ضد مستقبل الشعب الأرمني؛ حرمته من نخبه في كل المجالات، ومنعت تواصل أجياله، وقدرته على إعادة بناء نفسه بوصفه أمة عريقة من أمم الشرق.
عثمانيّة أردوغان لا تتبدى فقط في كراهيته العميقة لسوريا، وأطماعه الخاصة في حلب، وتماهيه مع مَن يشبهون أسلافه، بل كذلك، تحديدا، في استغلاله الحرب على سوريا لإرضاء حقده الدفين على الأرمن، وتعقبهم، وتوجيه ميليشياته للعدوان على بلداتهم وأحيائهم في ملاذهم السوري، وإعادة تهجيرهم.
وبالنسبة لسوريا كان الأتراك قد أضعفوها بحيث لم تستطع أن تهزم المستعمرين الأوروبيين، ولا اتفاق سايكس بيكو الذي جزّأها إلى أربع دول ــــ اغتصب الصهاينة إحداها ــــ ولا حتى الحفاظ على وحدة ساحلها ومجتمعها، حين سلب الأتراك، لواء الاسكندرون بالتعاون مع الاستعمار الفرنسي.
النموذج الأردوغاني هو نسخة عصرية من العثمانية، بكل همجيتها وفسادها وعدائها للعرب واستخدام الميليشيات والتعصب الديني المذهبي لتبرير القمع و العدوان والذبح، والتبعية للاستعمار الغربي من عضوية حلف الناتو إلى بالون النمو المنفوخ بالخصخصة والديون الخارجية، والمرشّح لانفجار ربما يشقّف تركيا، ويعيد العثمانيين الجدد إلى مراعي أسلافهم في قزوين.
ناهض حتر
 
سياسة
العدد ٢٢٨٣ الأربعاء ٣٠ نيسان ٢٠١٤

الطاقة.. محرك الصراع في منطقة الشرق الأوسط وآسيا

سوريا ليست منتجا هاما للنفط أو الغاز إلا أنها قادرة على تحديد شكل خارطة الطاقة الإقليمية في المستقبل.
لندن - مثلما أدى الصراع بين القوى الاستعمارية على المواد الخام إلى اندلاع العديد من الحروب، فإن حاجة الدول الصناعية إلى الطاقة سوف تؤدي إلى تصاعد الكثير من التوترات والنزاعات الدولية.
عرف العالم نوعا من “الهدوء” الظاهري بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الكتلة السوفييتية، وسيطرة نظام القطب الواحد الأميركي. وخلال هذه الفترة من “الهدوء” العالمي كانت الكثير من دول العالم بمختلف أنواعها الفقيرة والغنية والنامية والمتقدمة تشهد صراعات داخلية وأزمات اقتصادية وسياسية وتهديدات إرهابية واحتقانا اجتماعيا. وقد لعبت في تغذية هذه الصراعات والاضطرابات الداخلية “الخاصة”، سياسة خارجية للقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
وظل الوضع على حاله لسنوات عديدة حتى بدأت ترتسم في الأفق ملامح خارطة جديدة للتوازنات الإقليمية والسياسات العالمية، يقول خبراء إن سطورها الأولى تشكّلت في أفغانستان ثم مع الغزو الأميركي للعراق في سنة 2003؛ ثم وصلت مرحلتها الثانية إثر اندلاع “ثورات الربيع العربي”، لتبلغ اليوم أخطر مراحلها وأهمّها مع اندلاع أزمة أوكرانيا، فيما الصراع الدائر في سوريا على أشدّه. 
ملامح هذه الخارطة وفق قراءات المختصين تتضمن أيضا بداية الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، دون إغفال العلاقات الخفيّة بين تركيا وإيران، رغم خلافهما الظاهر حول ما يجري في سوريا، والصفقات السرية بين أنقرة وواشنطن. وهناك أيضا من يضمّن هذه الخارطة نتائج الانتخابات الأخيرة في الجزائر التي أفرزت فوز الرئيس “المقعد” عبدالعزيز بوتفليقة بولاية رابعة رغم المعارضة الشعبية الواسعة. ومؤخّرا دخلت على الخطّ العقوبات الأميركية التي فرضت على روسيا لحثها على تهدئة الأوضاع في أوكرانيا.
مختلف هذه الأحداث، التي تجري أغلبها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى التحرك الأميركي المكثّف نحو آسيا، والمغازلة الصينية لأفريقيا، جمّعها الخبراء والمختصّون في الدراسات الاستراتيجية والسياسات الدولية، تحت عنوان واحد كبير هو “الطاقة”. فمكمن القوة لم يعد يقوم على الترسانات العسكرية الثقيلة والجيوش كثيرة العدد، إنما على السيطرة على مكامن الطاقة ومن هنا بدأ الصراع الروسي – الأميركي يتجلى في أبرز عناصره.
النزاع الروسي الأميركي المتجدد‏
في دراسة له في هذا السياق، يشير الباحث السوري عماد فوزي شعيبي إلى أن الصراع على التسلّح أنهك الروس، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، خاصة وسط غياب مخازن الطاقة الضرورية لأية دولة صناعية، فيما كان الأميركيون يتحرّكون في مناطق النفط عبر عدة عقود مكنتهم من النمو ومن السيطرة على القرار السياسي الدولي بلا منازعات كبيرة. ولهذا تحرك الروس باتجاه مكامن الطاقة (النفط والغاز).
 
 ويضيف الباحث في دراسته، التي حملت عنوان “الصراع على الشرق الأوسط: الغاز أولا”، أن ملامح هذا الصراع بدأت تتشكّل سنة 1995 “حين رسم بوتين استراتيجية شركة غاز بروم لتتحرك في نطاق وجود الغاز من روسيا، فأذربيجان، فتركمانستان، فإيران (للتسويق) وصولا إلى منطقة الشرق الأوسط، وكان من المؤكد أن مشروعي السيل الشمالي والسيل الجنوبي سيرسمان عودة روسيا إلى المسرح العالمي ومن أجل إحكام السيطرة على الاقتصاد الأوروبي الذي سيعتمد لعقود على الغاز كبديل للنفط أو بالتوازي معه ولكن بأولوية أكبر لصالح الأول. وهنا كان على واشنطن أن تسارع إلى تصميم مشروعها الموازي (نابوكو) لينافس المشروع الروسي على قسمة دولية على أساسها سيتعين القرن المقبل سياسيا واستراتيجيا.
ويشكل الغاز فعليا مادة الطاقة الرئيسة في القرن الحادي والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالميا أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم يعتبر بالنسبة إلى القوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية. وهذا الصراع يتجاوز الحرب الأميركية الروسية، ليشمل القوى الصاعدة الجديدة على غرار الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
هذا الأمر يفسّر الحرب الدائرة حول أوكرانيا اليوم، فهذا البلد الأوروبي السوفييتي السابق تمر به العديد من أنابيب الغاز التي تمد شرق أوروبا بالطاقة و13 بالمئة من الغاز الذي يتم مده إلى الاتحاد الأوروبي، مما يجعل المسيطر على الوضع هناك يمتلك ورقة ضغط قوية.  
ومنذ ظهور الخلافات الروسية الأميركية في أوكرانيا، والتي ترجمت في بداية العام 2009 بوقف موسكو إمدادات الغاز عن أوروبا، بدأ الأوروبيون بالعمل على مخطط جديد يسمح لهم بالالتفاف حول إمدادات الغاز الروسي، وجاء تطبيق هذا الأمر في تموز 2009 من خلال التوقيع في أنقرة على اتفاقية مشروع خط أنابيب “نابوكو” (Nabucco) لنقل الغاز من آسيا الوسطى والمنطقة العربية مرورا بتركيا ونحو عمق الاتحاد الأوروبي، وقد أطلق القادة الأوروبيون عليه “مشروع القرن” ودعمته الولايات المتحدة، إلا أن موسكو وصفته بأنه “مشروع معاد لروسيا”. ولكن هذا الخط والذي من المفترض أن يمتد على ما يقارب مسافة الـ3300 كيلومتر والذي يعتمد في الأصل على نقل الغاز الطبيعي من تركمانستان التي تملك رابع أكبر احتياطي من الغاز في العالم، واجه ضغوطا روسية تسببت في تراجع تركمانستان ودول وسط آسيا عن انضمامهم للمشروع.
خط العرض 33
دراسات عديدة ربطت بين ما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط، وما جرى سابقا في أفغانستان، وما يتم التخطيط له داخل مراكز القرار الأميركية من سياسة مستقبلية تستهدف الضفّة الآسيوية، وبين ما يسمى بـ”خط العرض 33". فهذا الخطّ المار بأغنى منابع النفط والغاز، صار هو الخندق الأمامي للمواجهات الجديدة، وهو البديل الأمثل للصراع القديم على طريق الحرير، وفق الباحث كاظم فنجان الحمامي.
وقد عرّفته بعض الدراسات على أنه خط الاقتصاد العالمي الذي يربط الشرق الأقصى بالأوسط وصولا إلى ضفاف أوروبا، إنه أساس الأزمة التي تعيشها المنطقة اليوم. وهذا الخط مفتاحه سوريا، ويمر بالعاصمة طهران وينتهي في بكين عاصمة الصين، كما يعزل روسيا ويفككها جغرافيا واقتصاديا.
ويبيّن الحمامي أن خط العرض 33، شمال خط الاستواء، هو الذي سيحقق الأهداف الأميركية ويساعدها على فرض هيمنتها على ما يسمى (المنطقة الأميركية الوسطى)، المتمثلة بأقطار الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فخط العرض 33 لا يمثل بالضرورة دربا لقوافل الحرير، لكنه يماثله من حيث القوة والأهمية، في كونه شريان الطاقة الرئيس في العالم، وهو أيضا شريان النفوذ والسلطة. 
وتعد سوريا والعراق وإيران ولبنان من الأقطار الواقعة على حافات الخط 33، وهو الخط الذي يمر ببكين وكابل وطهران وبغداد ودمشق وبيروت، ويغذي الأطماع الأميركية منذ اليوم الذي فكرت فيه واشنطن باحتلال أفغانستان والعراق، وفرضت فيه الحصار على إيران وخلقت الأزمات في باكستان وحرّكت الفتن في سوريا الواقعة في بوابة البلدان المحاذية لقناطر (نابوكو).
ويربط كاظم الحمامي بين هذا المخطط وما يجري في سوريا اليوم قائلا، إن قناطر خط نابوكو جاءت لتضع حدا للصراع القديم بين المعسكر الروسي وأنصاره والمعسكر الغربي وتحقق الحلم بنقل الغاز (أهم مصادر الطاقة) من آسيا الوسطى والمنطقة العربية إلى قلب الاتحاد الأوروبي مرورا بتركيا، بدعم مطلق من البيت الأبيض. 
سوريا في قلب الصراع
كشف تقرير صدر عن وزارة الطاقة الأميركية أن استهلاك العالم من النفط سينمو بأكثر من 5 بالمئة خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ليصل إلى أكثر من 12 مليار برميل يوميا بحلول عام 2025، وسيزيد أيضا استهلاك العالم من الغاز الطبيعي بنسبة 57 بالمئة مقارنة بالاستهلاك الحالي، مما سيترتب عليه نقص كبير في الكميات المعروضة وارتفاعات متواصلة في الأسعار، وهذا سيترتب عليه مزيد من التنافس والصراع من أجل الحصول على الطاقة وسيكون الشرق الأوسط قلب هذا الصراع وساحته.
وتبيّن ربى حصري، في تحليل لمركز كارنغي، حول “سوريا وخارطة الطاقة المتغيِّرة في الشرق الأوسط”، أن سوريا ليست مُنتِجا هاما للنفط أو الغاز في الشرق الأوسط، إلا أنها قادرة على تحديد شكل خارطة الطاقة الإقليمية في المستقبل استنادا إلى ما ستؤول إليه الانتفاضة السورية. فموقع البلاد الجغرافي يتيح منفذا إلى المتوسط للهيئات التي ليس لها مخرج إلى البحر، والتي تبحث عن أسواق لمنتجاتها من الهيدروكربون، كما للدول التي تريد منفذا إلى أوروبا من دون أن تضطرّ إلى المرور عبر تركيا. فرهان العراق وإيران كبير على الجهة السورية التي ستدير طرق الوصول إلى البحر، حتى أن موسكو تضع رهانا كبيرا، ولا عجب أن سوريا ما بعد الأسد ستكون حتما عامل تغيير في قواعد اللعبة في مجال الطاقة بالمنطقة. 
هذا التحليل تؤيّده دراسة أخرى صدرت عن مركز حمورابي تؤكّد أن المتتبع للأحداث في سوريا، يلحظ أن أهم خلفيات الصراع فيها يعود إلى الغاز الطبيعي، إذ هناك مشروع مدعوم من واشنطن لإنشاء أنبوب جديد يجر غاز قطر إلى حمص ومنه إلى أوروبا، وتحتل مدينة حمص وريفها موقع القلب الجغرافي، فهذا المشروع يمنح أيضا كلا من تركيا وإسرائيل مزايا استراتيجية في معادلة تجارة الغاز العالمية، واحتياجاتهما إليه.
وفي ظل هذه الأحداث وهذه الحسابات الجديدة، أكدت روسيا على عدم موافقتها على خطط استثمار الغاز في المتوسط، إلا بعد حصولها على ضمانات غربية بعدم تغيير النظام في سوريا، إما على الصعيد الإيراني مقابل هذا المشروع القطري يوجد مشروع إيراني سوري قوامه مد أنبوب يأتي من إيران ويمر عبر العراق إلى حمص، ويتفرع منها إلى كل من اللاذقية وطرابلس. وتخلص بسمة ماجد حمزة، الباحثة في مركز حمورابي، إلى أن الصراعات المشتعلة اليوم، وخصوصا في سوريا، وإن بدت في ظاهرها صراعا عسكريا وسياسيا، فإنها في الأصل صراع من أجل النفط والغاز الطبيعي.
اكتشافات شرق المتوسط
 دخلت في السنوات الأخيرة دول جديدة إلى نادي الدول المنتجة للنفط في المنطقة مثل جنوب السودان واليمن، وكذلك ظهور مصدر جديد ومهم للطاقة، وهو الغاز الطبيعي. وتم اكتشاف الغاز في بعض المناطق التي كانت موطنا تقليديا للنفط، وبعض المناطق الجديدة، ومن أهمها منطقة حوض المشرق (Levant basin).
ووفق دراسة للباحث إبراهيم نوار، صادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، فقد تم اكتشاف كميات ضخمة من الغاز في هذا الحوض الذي يقع في المياه العميقة شرق البحر المتوسط، والذي يتميز باحتوائه على طبقة عميقة من الغاز، وربما من النفط أيضا، طبقا لتقديرات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية، والشركات العاملة في التنقيب عن الغاز فيه. وهذه الاكتشافات، وفق دراسة إبراهيم أنور، تزيد من أهمية منطقة الشرق الأوسط كمخزن عالمي عملاق للطاقة، ومن ثمة سوف ترتفع حدة التنافس الدولي على ثروات هذه المنطقة التي تجتاز مرحلة صعبة في تاريخها.

توزيع مخازن الغاز العالمي
أهم الأحواض التي تحتوي على المخزونات الرئيسية من الغاز المعروفة في العالم حتى الآن تتوزع على النحو التالي:
*حوض غرب سيبيريا، وتبلغ احتياطياته 643 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
*حوض الربع الخالي في صحراء شبه الجزيرة العربية، 426 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وهذا الحوض لم تجر فيه عمليات تنقيب كافية حتى الآن، ويمتد إلى الجنوب من الحدود السعودية، وإلى الشمال من حدود اليمن وسلطنة عمان، وتعمل حاليا في هذه المنطقة الشركة السعودية – الصينية للغاز، وهي مشروع مشترك تسهم فيه أرامكو السعودية مع المؤسسة الصينية للبترول والبتروكيماويات (3).
 * حوض شرق البحر المتوسط، 345 تريليون قدم مكعبة من الغاز، ويحتوي هذا الحوض أيضا على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية تبلغ 3.4 مليار برميل من النفط، إلى جانب كميات كبيرة أيضا من سوائل الغازات.وتشمل هذه الاحتياطيات 223 تريليون قدم مكعبة من الغاز في حوض دلتا النيل، إضافة إلى 5.9 مليار برميل من الغازات السائلة، و1.7 مليار برميل من النفط. كما يحتوي الحوض الكبير على 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز في منطقة حوض المشرق، قبالة شواطئ قبرص ولبنان وسوريا.
* حقل غوار الكبير في شمال شرق المملكة العربية السعودية، 227 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
* حزام حقول الغاز على امتداد الخليج العربي (حزام زاجروس) الذي يصل إلى العراق وإيران، ويحتوي على مخزونات تصل إلى 212 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
العرب  
نُشر في 30/04/2014
العدد: 9544، ص7 

jeudi 24 avril 2014

عودة إلى عصر المحميات في الخليج

وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند صرّح في 10 نيسان الجاري بأن المملكة المتحدة تنظر في خيارات تأسيس قاعدة عسكرية دائمة في منطقة الخليج. وأجاب هاموند على سؤال لصحيفة «غولف تايمز» في الدوحة حول الوجود العسكري البريطاني في المنطقة، وقال: فيما تسحب المملكة المتحدة قواتها من ساحات القتال في أفغانستان من المؤكّد أن واحدة من هذه الخيارات هي تأسيس قاعدة دائمة في مكان ما في الخليج.
لم يكن تصريحاً خارج السياق، فهو يشي بما هو أكبر من مجرد قاعدة عسكرية، أو حتى زخم الوجود العسكري البريطاني بتسهيلات جديدة على غرار ما جرى الحديث عنه في 28 آذار الماضي بشأن نيّة بريطانيا توسيع مركز قيادة البحرية الملكية في العاصمة البحرينية، المنامة، في سياق تعزيز الحضور العسكري البريطاني في البحرين. ومن المعروف، أن منطقة الشرق الأوسط تضم ثاني أكبر وجود للقوات البحرية الملكية البريطانية والذي يشتمل على 10 من أصل 32 بارجة حربية في المنطقة. ويتموضع الوجود العسكري البريطاني في البحرين بالقرب من قاعدة الاسطول الخامس الأميركي.
هنا تبدو المعلومة معزولة ما لم نضعها في سياقها الصحيح، ولا بد من عملية سرد للحوادث بطريقة منطقية.
زيارة أوباما إلى الرياض في 28 آذار الماضي فشلت شكلاً ومضموناً، وهي نتيجة كانت متوقعة قبل أن تبدأ. ولكن ليس هنا بيت القصيد، فثمة معطيات وقرائن تفيد بتحوّل استراتيجي كبير في المرحلة المقبلة... اختصرت مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس هذا التحوّل في تصريحها الشفاف لصحيفة «نيويورك تايمز» في 26 تشرين أول 2013، حين عرضت لمراجعة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة الأكثر اضطراباً في العالم، بحسب وصفها. وأوضحت أن هدف الرئيس أوباما الحيلولة دون السماح لحوادث الشرق الأوسط أن تبتلع أجندة السياسة الخارجية، كما كان الحال بالنسبة للرؤساء من قبله. وقالت رايس ما نصّه: «لا يمكننا أن نُستهَلك 24/ 7 من قبل منطقة واحدة، مهما كانت أهميتها». وأضافت «يعتقد ـ الرئيس أوباما ـ بأن الوقت كان مناسباً للتراجع للوراء وإعادة التقييم، بطريقة نقدية للغاية وغير مقيّدة، وكيف يجب أن ننظر الى المنطقة». وتحدّثت رايس عن رغبة أوباما في الرعي في مكان آخر، وتحديداً شرق آسيا. وبحسب قولها «ثمة عالم بأسره هناك ولدينا مصالح وفرص في هذا العالم».
نشير هنا إلى تقرير صدر أخيراً عن مجلس الاستخبارات الوطني في أميركا يستشرف مستقبل القوات العسكرية الاميركية في منطقة الخليج، وتوقّع التقرير تراجعاً تدرّجياً لهيمنة الولايات المتحدّة، وصوّر وضع الأخيرة بأنها ستكون «الأولى بين متساويين». وذكر التقرير بأن الولايات المتحدة ستعيد النظر في استراتيجيها في المنطقة، على ضوء التوقعات بأن تصبح أميركا أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وأن احتياطها ارتفع من 30 عام الى 100 عام بفضل التكنولوجيا الحديثة، كما أن انتاجها النفطي سوف يؤهلها لأن تكون مصدّراً للنفط بعد أن كانت مستورداً له، حيث لا تتجاوز صادرات النفط والغاز من الخليج الى أميركا 11%.
قد لا تعكس هذه التصريحات الصورة الكاملة عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة، ولكنها بالتأكيد تلفت الى رؤية مختلفة تعتنقها الإدارة الأميركية حيال المنطقة.
إن كل ما قيل عن مناكفات سعودية حيال التغيير الدراماتيكي في الموقف الاميركي من الأزمة السورية، والاتفاق النووي الاميركي ـ الإيراني مجرد قراءة سطحية، ففي العمق يتم إرساء أسس لشراكة استراتيجية جديدة.
لا الصين ولا روسيا ولا أي قوة أخرى مصنّفة على المعسكر الآخر يمكن لها ملء الفراغ في مرحلة انتقال الولايات المتحدة من المنطقة إلى أقاصي الشرق.
زيارات بندر بن سلطان الى موسكو وولي العهد سلمان بن عبد العزيز الى بكين لم تكن لجهة بناء تحالفات استراتيجية، بل كانت، من بين أهداف أخرى اقتصادية وعسكرية، تأتي في سياق لفت نظر الشريك الأميركي واستدراج حلفاء الأمس خصوصاً بريطانيا، ولم تكن ـ تلك الزيارات ـ ترتقي الى مستوى الشراكة الاستراتيجية. فثمة في الرياض من يدرك تماماً أن بوصلة التحالف موجّهة نحو الغرب فحسب... ولكن هذه المرة سوف يكون الغرب الأوروبي هو البديل.
في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن دبلوماسيين أوروبيين من بينهم السفير الفرنسي في الرياض التقوا الأمير بندر بن سلطان قولهم إن الأخير أبلغهم بأن «الرياض بصدد إحداث تغيير كبير في علاقتها مع واشنطن احتجاجاً على عدم تحركها بشكل فعّال فيما يخص الأزمة السورية». ونقلت الصحيفة عنه قوله إنه ينوي التراجع عن الشراكة القائمة مع السي آي أيه لتدريب الجماعات المسلّحة في سوريا، و»العمل مع حلفاء آخرين»، وذكر فرنسا والأردن.
تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة والسفير في لندن وواشنطن سابقاً، وأكثر الأصوات المسموعة في الغرب، أطلق تصريحات ناقدة للسياسة الاميركية في الشرق الأوسط، وخصوصاً في ما يتعلق بالملفين السوري والايراني، ولفت بطريقة غير مباشرة الى تغيّر في وجهة الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وحلفائها الغربيين.
على عكس ما يظن البعض، فإن السعودية بدأت تفكّر جديّاً في تنويع مصادر الحماية، تأسيساً على تحوّلات جديّة في الاستراتيجية الأميركية. الولايات المتحدة أمام استحقاقات اقتصادية واستراتيجية ذات أهمية كبيرة، ومن أبرزها اكتشاف النفط الصخري، الذي يجعل منها الدولة النفطية الأولى في العالم عام 2015، ما دفع بشركة النفط السعودية «أرامكو» إلى تخصيص موازنة سخيّة بهدف إعداد خطة لمواجهة هذا التحدي. حين يوضع ذلك جنباً الى جنب مع ما كشفت عنه مستشارة الأمن القومي رايس بخصوص نقل الثقل الأكبر من السياسة الخارجية الأميركية نحو الشرق الأقصى، نكون أمام مرحلة جديدة لا يكون فيها للشراكة الاستراتيجية وفق المفهوم القديم معنى.
في حقيقة الأمر، أن اسرائيل والسعودية في مقدمة الدولة المستهدفة بالتحوّل في الاستراتيجية الأميركية، وقد شعرا به في مرحلة مبكرة، وعبّرا عن القلق إزاءه.
لم يعد كلام الملك فيصل (حكم من 1962 ـ 1975) للسفير الأميركي الأسبق في السعودية باركز هارت (نحن من بعد الله نثق بالولايات المتحدة الأميركية) صالحاً الآن، فثمة تبدّلات طاولت الأسس التي قامت عليها معادلة الحماية مقابل النفط، وأن مراكز الجاذبية الاقتصادية والاستراتيجية لم تعد في نظر الولايات المتحدة كما كانت عليه خلال نصف القرن الماضي، ما يتطلب التخلي عن بعض مناطق النفوذ لصالح الشركاء الأوروبيين. لقد طاول التباين بين واشنطن والرياض ملّفات عديدة، وحتى قائمة الاعداء لم تعد هي كما كانت قبل أشهر، فأعداء السعودية اليوم من الدول: إيران، والعراق، وسوريا، وتونس، والسودان، ومن الجماعات: الاخوان المسلمين، وحزب الله، والحوثيين. والقائمة تبقى مفتوحة طالما أن ثمة دولة أو جماعة تقف على النقيض مع توجّهاتها السياسية. بالنسبة لواشنطن، ليس الأمر على هذا النحو، فايران تقترب من تفاهم نووي مع الغرب، وقد يؤول إلى فتح الأسواق الإيرانية أمام الشركات الأميركية المتعطّشة لهذه الفرصة، والعراق لا يزال دولة حليفة لولايات المتحدة، وليست هناك عقدة لدى الأخيرة من وصول الاخوان المسلمين الى السلطة سواء في تونس أو في أي مكان آخر.
في ضوء ما سبق، يبدو البحث عن تحالفات بديلة مساراً سعودياً لا مناص منه. وتبدو بريطانيا، بوصفها أبرز قوى الانتداب القديمة عموماً، الخيار الأوفر حظاً وترجيحاً لدى السعودية، فيما تأتي فرنسا في المرتبة الثانية.
من الناحية التاريخية، تعتبر بريطانيا، صانعة وراعية للمشيخات في الخليج، وهي من ساهم في إرساء أنظمة أوليغارشية من خارج حركة التاريخ. ولا غرابة في أن تبقى هذه المحميات الاستثناء في أي تحوّل ديمقراطي، بفعل معاهدة الحماية التي تجعل هذه الكيانات مصونة إزاء أي ضغط دولي لجهة احترام حقوق الانسان، ووضع تشريعات تمهد لانتقال ديمقراطي، أو اجتراح آليات حيوية لناحية تغيير شكل الحكم والتداول على السلطة.
لا ريب أن بريطانيا التي كانت أكثر دول الاتحاد الاوروبي حماسة للانفتاح على إيران تضع نصب عينها على الخليج مجدداً، من أجل عودة مريحة الى ساحل الذهب الأسود. استعجلت لندن الانفتاح على طهران، وهي التي حزنت لقرار الأخيرة تخفيض مستوى العلاقات بين البلدين الى أدنى مستوياتها قبل سنوات.
وفي ظل تحدي وجودي تواجهه بريطانيا حيث تفيد التوقعات بتصويت سكّان مقاطعة اسكتلندا على الاستقلال وما ينطوي ذلك على خسائر فادحة لاقتصاد بريطانيا ودورها الحيوي في السياستين الأوروبية والدولية، فإنها أمام خيارات صعبة تفرض عليها البحث عن مصادر قوة بديلة.
بريطانيا هي الأقرب الى روح السياسة الاميركية، والأقدر على ترجمة اهدافها في المنطقة، دع عنك فهمها الدقيق لمشكلات المشيخات الخليجية.
البحرين، على سبيل المثال، كانت قبل الانتداب وبعده خاضعة للرعاية البريطانية وهي التي لم تكف عن تزويد العائلة المالكة في البحرين بكل ما تحتاجه من مشورات ودعم لوجستي لبقاء النظام الخليفي متماسكاً في مواجهة الثورة الشعبية التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات.
بالنسبة لفرنسا، التي لم يكن لديها حضور عسكري في الخليج، ولم تكن جزءاً من تاريخ الانتداب الاجنبي في المنطقة، نجحت في بناء شراكة استراتيجية مع كل من الامارات والسعودية، ما يجعلها مرشّحة لأن تشكّل الى جانب بريطانيا نظام حماية ثنائي قادر على ملء الفراغ بعد غياب الولايات المتحدة من المنطقة.
صحيفة «لوموند» الفرنسية كتبت في 29 كانون أول الماضي تقريراً عن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى الرياض، ووصفت هولاند بأنه «الحليف الغربي الأفضل بالنسبة للمملكة العربية السعودية»، منذ انقلاب أوباما على قرار توجيه ضربة عسكرية لسوريا في أيلول من العام الماضي، والميل الى عقد اتفاق مع ايران، الخصم العنيد للسعودية.
نشير إلى أن ثمة توافقات فرنسية ـ سعودية بشأن ملفات عديدة: إيران، سوريا، لبنان تجعلهما أقرب الى الشراكة الاستراتيجية. كانت زيارة سعود الفيصل وبندر بن سلطان الى باريس في 12 حزيران 2013، بهدف تنسيق المواقف بعد سقوط مدينة القصير السورية ذات دلالة مهمة، إذ أبدت فرنسا هولاند تشدّداً مبالغاً في الملفين السوري والإيراني. التوافق في المسألة اللبنانية كان واضحاً بين باريس والرياض، وقد يسهّل مهمة حلفائهما من فريق 14 آذار. صحيفة «الرياض» كتبت في 29 كانون أول الماضي، أي في اليوم الذي زار فيه هولاند الرياض، بأن استقبال الملك عبد الله الرئيس الفرنسي هولاند في مقر إقامته بروضة خريم قرب الرياض «يعد حسب المطلعين على سجل الشراكة الاستراتيجية السعودية ـ الفرنسية...». وقد شهد التعاون بينهما تطوّرات كبرى في مجالات التسلّح والصناعة والصحة والتجارة، وحصلت فرنسا على عقود مغرية لتحديث القوات البحرية السعودية بما في ذلك تزويدها بغواصات والتأهيل القتالي.
الزيارات المكثّفة التي يقوم بها مسؤولون فرنسيون وبريطانيون في الآونة الأخيرة ليست بالتأكيد بروتوكولية، فأهدافها، بالنظر الى كل المعطيات الواردة في هذا المقال، تؤشر الى مرحلة جديدة تشهد غياب قوى وحضور أخرى. ما ظهر حتى الآن هو الوتيرة السريعة للانفاق العسكري وكثافة الجيوش الأجنبية التي سوف توجد في المنطقة بهدف حماية المشيخات الخليجية من مخاطر، في الغالب محليّة، وعلى وجه الخصوص من دعاة الحرية والمدافعين عن حقوق الانسان وأنصار الديمقراطية.
فؤاد إبراهيم 
باحث وناشط سياسي سعودي
 
رأي
العدد ٢٢٧٨ الخميس ٢٤ نيسان ٢٠١٤

samedi 12 avril 2014

تعريف 'منصف المرزوقي' للسياسة

" السياسة فنّ خدمة المصالح الخاصّة باستعمال كلّ الوسائل الأخلاقيّة واللاّأخلاقيّة للحصول على أعلى قدر ممكن من السّلطة والثروة والإعتبار، وذلك بغضّ النظر عن تبعاتها وتكلفتها على المجتمع، مثلما هي فنّ خدمة المصالح العامّة من طرف أفراد يُضحُّون ـ وبغضّ النّظرعن تبعاتها وتكلفتها عليهم ـ بكلّ حظوظهم في جزءٍ من السلطة والثروة والإعتبار، حتّى يحقّق مجتمعهم ما يسعى إليه من أمان واستقرار وتطوّر ".
سيماء المزوغي
"كلّما سمعت كلمة مثقّف تحسّست مسدّسي..."
المغرب، العدد 805 ،
السبت 12 أفريل 2014 ، ص. 16

jeudi 10 avril 2014

اللصوص الحقيقيون



وكالات الأخبار ذكرت أنّ مئة مليون دولار تمّت سرقتها من البنك. فقام اللصوص بعدِّ النقود المرّة تلو المرّة، وفي كل مرّة كانو يجدون أنّ المبلغ هو عشرون مليون دولار فقط. 
العهدة على الرّاوي، مع ضمان حق التصرّف.. تقول الحكاية: فجأة أخرج اللّصوص مسدّساتهم وصرخ أحدهم موجها كلامه إلى كل الموجودين داخل الوكالة البنكية: “لا تتحرّكوا، فالمال ملك للدّولة وحياتكم ملك لكم”. وكانت النتيجة أن استلقى الجميع على الأرض بكل هدوء. وهذا ما يسمّى بالقدرة على تغيير ردود الفعل.
غير أن سيدة أنيقة تمدّدت على الطاولة بنحو استفزازي. فصرخ اللص في وجهها: “رجاء كوني متحضرة، هذه سرقة وليست اغتصابا!” فاستلقت هي الأخرى على الأرض. وهذا ما يعنيه أن تكون محترفا وتركز فقط على الهدف..
عندما عاد اللصوص إلى مقرهم، قال اللص الأصغر عمرا (وكان يحمل شهادة ماجستير في إدارة الأعمال) لزعيم اللصوص (وكان أكبرهم سنا وقد أنهى ست سنوات تعليم في المدرسة الابـــتدائية): يا زعيم دعنا نحــصي كـــم من الأمـــوال سرقنا؟ فقام الزّعيم بنهره وقال له “أنت غبي جدا ! هذه كمية كبيرة من الأموال، وستأخذ منا وقتا طويلا لأجل عدها، لكن، الليلة سوف نعرف من نشرات الأخبار كم سرقنا من الأموال!”.. وهذا ما يسمى بالحنكة وحُسن التصرّف.
بعد أن غادر اللصوص البنك، قال مدير البنك لمدير الفرع: “اتصل بالشرطة حالا، ماذا تنتظر؟”.. لكن مدير الفرع ردّ عليه بهدوء: “انتظر، دعنا نأخذ عشرة ملايين دولار ونحتفظ بها لأنفسنا ونضيفها إلى السبعين مليون دولار التي قمنا باختلاسها سابقا! فوافق المدير. وهذا ما يسمى بانتهاز الفرصة المناسبة في الوقت المناسب.
في اليوم التالي، ذكرت وكالات الأخبار أنّ مئة مليون دولار تمّت سرقتها من البنك. فقام اللصوص بعدِّ النقود المرّة تلو المرّة، وفي كل مرّة كانو يجدون أنّ المبلغ هو عشرون مليون دولار فقط. غضب اللصوص كثيرا وقالوا: نحن خاطرنا بحياتنا من أجل عشرين مليون دولار، ومدير البنك حصل على ثمانين مليون دولار دون أن تتسخ ملابسه! وهذا ما يسمى بالإحساس بــالغبن.
كان مدير البنك يبتسم سعيدا لأنّ خسائره في سوق الأسهم تمّت تغطيتها بهذه السرقة، دون أن توجه إليه أصابع الاتــهام. وهذا ما يسمى باســتغلال النــفوذ.
العبرة : اللصوص الحقيقيون دوما هناك، ببذلات بيضاء، بربطات عنق، لا يرتدون أقنعة، لا يحملون مسدسات، إنهم هناك في المكان الذي لا توجه إليه أصابع الاتهام، إنّهم الوزراء أحيانا، إنهم الوكلاء أحيانا، إنّهم المدراء أحيانا، إنّهم رؤساء الدّول في بعض الأحيان، لكنهم اللصوص البارعون في كل الأحوال.
 العرب سعيد ناشيد [نُشر في 10/04/2014، العدد: 9524، ص(24)]