lundi 31 mars 2014

صراعات النفوذ برسم 'حروب الغاز': القرم وشرق المتوسط وشمال أفريقيا

الجهد الروسي في السيطرة على حيز هام من سوق الطاقة، والمسعى الأميركي لربط أمن الطاقة لدى الحلفاء بدبلوماسيتها ومظلتها الأمنية، يمثلان نموذجين لأدوات الصراع بحلته الجديدة.
من الشواطئ السورية في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، يرتسم من جديد مناخ الحرب الباردة. والخلفية التي تكمن وراء الصراعات المستجدة ليست سياسية بحتة، إنما تتعلق أيضا بالغاز وموارد الطاقة الأخرى.
تلوّحُ روسيا من دون مواربة باستخدام سلاح الغاز ضد أوروبا رداً على احتمال فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية عليها نتيجة ضمها شبه جزيرة القرم، وهذه الحاجة للغاز الروسي تدفع بالولايات المتحدة لطرح الغاز الصخري كبديل على المدى المتوسط.
وتُولي واشنطن، كما موسكو وبكينغ وبرلين، اهتماما كبيرا بمصادر الطاقة والغاز في الخليج وشرق المتوسط وشمال أفريقيا. وكم كان ملفتا قرار جون كيري بزيارة الجزائر والمغرب، الأسبوع القادم، وذلك عقب بحثه أمن الطاقة في أوروبا، في دلالة على أهمية الغاز الجزائري للقارة القديمة، وكإشارة إلى أهمية المخزون غير المكتشف في المغرب.
إن الجهد الروسي في السيطرة على حيز هام من سوق الطاقة، والمسعى الأميركي لربط أمن الطاقة لدى الحلفاء بدبلوماسيتها ومظلتها الأمنية، يمثلان نموذجين لأدوات الصراع بحلته الجديدة. في هذا السياق، تؤكد نظريات الأمن الاستراتيجي المعاصرة على أهمية الطاقة ليس من الناحية الاقتصادية فحسب، بل كونها محرّكاً للصراعات ومؤشرا على عناصر القوة لدول المنشأ أو دول الممر أو المصب. حسب وجهة نظر العديد من المراقبين ترتبط عدة اضطرابات راهنة بالسيطرة على حقول النفط والغاز وأسواقها وممراتها.
يشكل الغاز الطبيعي فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين، سواء من حيث كونه بديلا مناسبا للنفط الذي تم تراجع احتياطيه عالميا، أو من حيث كونه أقل ضرراً للبيئة من الغاز الصخري، ولهذا فإن التحكم أو السيطرة في المناطق الغنية بالغاز في الخليج والشرق الأوسط، أو في دول أفريقية معينة، أو حتى في إيران- التي تملك ثاني احتياطي للغاز في العالم- يعتبر بالنسبة إلى القوى الكبرى وجها أساسيا للصراع الدولي في أبعاده الحالية.
فوفق تقرير لوكالة الطاقة الدولية الصادر في العام 2011، بدأ العالم يدخل فيما أطلق عليه التقرير “عصر الغاز الذهبي”، وذلك بالتزامن مع انطلاق ما يمكن تسميته بــ”ثورة الغاز الصخري” في الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما خلال العقد الأول من الألفية الحالية.
ولا يزال الغموض يكتنف الآثار الجيو- سياسية لهذا الاكتشاف وصولاً إلى انعكاساته المتوقعة على الطلب العالمي على الطاقة، والأهم احتمال اكتفاء الولايات المتحدة بعد أقل من عقد من الزمن، مع إمساكها بورقة الغاز الصخري ونتيجة لقوتها البحرية المهيمنة ونفوذها السياسي، تملك واشنطن الكثير من العناصر في أية مواجهة حول مصادر الطاقة أو أسواقها. في المقابل تتمتع روسيا، والكثير من الدول المنتجة، بميزات احتياطيها الإستراتيجي، لكنها تعاني من تبعية اقتصادياتها لصادراتها من المحروقات ومشتقاتها.
على ضوء توزع خارطة الغاز بين روسيا وجوارها، الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نرصد اهتماما دوليا بمشاكل بحر قزوين مع صعوبة لتدخل واشنطن في أمور لها صلة بإيران التي يتجه إنتاجها نحو آسيا، أو مع تركمانستان وأذربيجان الواقعتين ضمن النفوذ الروسي، ولذا تتركز الأنظار على قطر وشرق المتوسط والجزائر، وفي خلفية الاهتمام هناك تطلّع يحدو البعض من أجل كسر الاحتكار الروسي للغاز الذي يتم تصديره إلى أوروبا.
ربط الكثيرون التدخل الأطلسي في ليبيا مع اكتشافات كبرى للغاز والنفط فيها وتكررت “نظرية المؤامرة” مع اندلاع الأحداث في سوريا. ووفق آخر الإحصاءات يحوي حوض البحر المتوسط على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أما حقول الغاز المكتشفة حديثاً في شرق الحوض، فهي مدار تنازع بين إسرائيل ولبنان وقبرص وسوريا وتركيا ومصر وقطاع غزة على الأحقية المشتركة.
في عام 1967 كان تحويل روافد المياه سببا لاندلاع الحرب الإسرائيلية- العربية، وحاليا هناك تخوف من أن يصبح الصراع على حقول الغاز أو استخراجه في المياه الإقليمية من أسباب ديمومة أو تفاقم الصراع المزمن وخلق صراعات جديدة.
في هذا الإطار تحاول روسيا بأي ثمن التشبث بموطئ قدم في شرق المتوسط وهذا يتيح لها الوصول إلى المحيط الهندي وحماية أمن خاصرتها الجنوبية.
ويرتبط هذا القلق الروسي الاستراتيجي بمراقبة إنتاج الغاز الطبيعي وتسويقه، خاصة وأن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، أصبحت مرشحة لمزيد من المخاطر مع بدء ضخّ الغاز الإسرائيلي والمس الاستكشافي للغاز بالقرب من سواحل المنطقة التي تخفي احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي.
بيد أن ذلك لا يعني روسيا مباشرة إذ أنها تملك لوحدها نحو ربع إجمالي احتياطات الغاز المؤكدة في العالم (1680 تريليون قدم مكعبة، ويشكل إنتاجها 71 بالمئة من واردات الغاز لوسط وشرق أوروبا).
مع تفاقم أزمة أوكرانيا برزت هشاشة الاتحاد الأوروبي الذي لم يعتمد استراتيجية للطاقة تخفف تبعيته للسوق الروسية، وبرز مدى أهمية هذا العامل في صراعات النفوذ. وإذا قارنا بين نظام إقليمي متمتع بقوة اقتصادية ومؤسساتية مثل الاتحاد الأوروبي، وبين جامعة الدول العربية الحاضنة لنظام إقليمي مترنّح، نلاحظ كيف أن الدول العربية التي تملك الكثير من عناصر القوة عبر امتلاكها ثروات طبيعية هائلة تبدد فعاليتها عبر التشتت وعدم تغليب منطق الاندماج الإقليمي.
في العام الماضي، كشف البنك الأفريقي، أنّ المغرب من بين سبع دول أفريقية، تملك احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري، وأكبر هذه الاحتياطيات موجودة في جنوب أفريقيا وليبيا والجزائر كما توجد كميات مهمة في كل من تونس وموريتانيا.
واللافت هو سعي واشنطن وأوروبا إلى الاستفادة من الطاقة الموجودة أو الكامنة في منطقة المغرب العربي، حيث يخيّم النزاع الجزائري- المغربي على المشهد، وإذ يمنع بلورة منظومة تعاون اقتصادي يمكن أن تكون نموذجية.
نستنتج من دون تردد أن سلاح الغاز والطاقة يبقى من الأسلحة المؤثرة في رسم ملامح نظام إقليمي شرق أوسطي، كما في بلورة التوازنات بين الدول الكبرى والدول الصاعدة.
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك- باريس
العرب د. خطار أبودياب [نُشر في 29/03/2014، العدد: 9512، ص(8)]

vendredi 28 mars 2014

بيتي فريدان بالعربية: متى تستعيد المرأة ذاتها المصادَرَة؟

"اللغز الأنثوي" الذي صدر عام 1963 لم يفقد راهنيته في هذه البقعة. عمل المناضلة النسوية الأميركية انتقل أخيراً إلى المكتبة العربية (دار الرحبة ـــ دمشق، ترجمة عبدالله بديع فاضل) كأنّه يحاكي المرأة العربية وهمومها. ما صار منسياً في الغرب، نعيشه هنا بامتياز تحت وقع الإعلانات التلفزيونية التي تمجّد «ربة المنزل»
بعد مرور نحو خمسة عقود على صدور «اللغز الأنثوي» (The Feminine Mystiqueـــ 1963) للمناضلة النسوية الأميركية بيتي فريدان (1921 ـــ 2006)، لم يفقد راهنيته عربياً. الكتاب الذي صدر أخيراً في نسخته العربية (دار الرحبة ـــ دمشق، ترجمة عبدالله بديع فاضل) يلقي بظلاله على هموم المرأة العربية اليوم، فما صار منسياً في الغرب، نعيشه الآن هنا بامتياز، تحت وقع الإعلانات التلفزيونية التي تمجّد «ربة المنزل» وحدها. كانت المرأة الأميركية ـــ وفق بيتي فريدان ـــ تحسّ بأنها شخصية منحرفة وعصابية، لمجرد أنها لم تشعر بالنشوة، وهي تلمّع أرضية المطبخ. كان مجرد التفكير بأنّ الحياة يجب أن تنطوي على ما هو أكثر من تحضير فطائر الزبدة، والغسيل ناصع البياض، ترفاً فائضاً عن الحاجة، فما بالك بالذهاب إلى العمل خارج المنزل؟ ذلك أنّ ارتكاب هذه «الخطيئة»، ذنب لا يغتفر، ففيه «خيانة للأنوثة وتقويض للذكورة».
حقوق المرأة المهدورة ونضالها من أجل استردادها، هما المحوران الأساسيان اللذان يتبناهما هذا الكتاب، على ضوء استبيان استهلك جهد خمس سنوات من العمل، أجرته الكاتبة على زميلاتها في الدراسة بهدف معرفة مصيرهن بعد الدراسة. وإذا بها تقع على مآسٍ غير مرئية، كانت تعيشها المرأة الأميركية، على هيئة عقد نفسية، وذوات تائهة، وغضب مكتوم أو «مشكلة لا اسم لها». الحيرة بين أن تكون المرأة ربة منزل تجيد طبخ الحلزون بخبرة الطهاة، وتعتني بأنوثتها، وكيف تجعل الزواج أكثر إثارة من جهة، وكيف تشفق على النساء التعيسات اللواتي أردن أن يكنّ شاعرات أو فيزيائيات، أو مستقلات، من جهة ثانية.
أصبح المطبخ جنّة المرأة، بدلاً من متاعب الحياة المهنية. أما المشكلة التي لا اسم لها، فستتكشف تدريجاً عبر مشاعر الخواء والنقص والتلاشي، خصوصاً بالنسبة إلى نساء الضواحي البعيدات عن صخب المدن. وإذا بربة المنزل السعيدة، كما كانت تروّج لها المجلات والإعلانات التلفزيونية، تغرق في الاكتئاب، طالما أنّ الحل المقترح كان يتمثّل في الزواج المبكر، وهجر العمل خارج المنزل، نحو عالم يتكوّن من «غرفة نوم ومطبخ وجنس وأطفال». السؤال الذي ظلّ غائباً عن تفكير المرأة الأميركية حينذاك، هو سؤال الهوية، فهل هي المرأة التي تصدّرها الإعلانات، أم هي شخصية أخرى غير مكتشفة، شخصية لا تشبه أمها التي تنتمي إلى جيل مربيات المنازل، أو للجيل الذي كان يهتم بالجيولوجيا والشعر؟ وكيف تحقق هويتها الإنسانية، بصرف النظر عن التمييز الجنسي؟
مع ظهور الحركات النسوية المبكرة، حطّمت المرأة جداراً صلباً من القيم التاريخية. لكن العبور إلى المستقبل، لم يجرِ من دون معوقات أو سخرية من هؤلاء الناشطات النسويات. فقد «كنّ ضحايا عُصابيات للحسد القضيبي». في كل الأحوال، التقطت الحركة النسوية البوصلة لرسم هويتها الجديدة، انطلاقاً من سؤال بسيط «من أنا؟ ما الذي أريده؟». هكذا تستعيد المؤلفة نظرية فرويد في التحليل النفسي، معتبرة إياها، خليطاً فيكتورياً من الفروسية والتعطّف، وجنسانية عرجاء لا أكثر، ولن تكون النظرة إلى المرأة أفضل، لدى علماء نفس آخرين، فصورة حائكة الصوف في «قصة مدينتين» لتشارلز ديكنز، ما زالت ماثلة بقوة، ليس في أذهان الرجال فحسب، بل في أذهان معظم النساء أيضاً. ليس مستغرباً أن تتحوّل إحداهن من دراسة علم الجراثيم في الجامعة، إلى دراسة الاقتصاد المنزلي. في النهاية، تقول إحداهن: «سأعود إلى البيت، وأعمل في مجمع تجاري إلى أن أتزوج». تراكم هذه الأفكار كان حصيلة زيف تربوي أفرزته المناهج الدراسية في الجامعات، يحضّ ــ في المقام الأول ـــ على استعادة المرأة أنوثتها، بناء على مقولة راسخة هي «إن المرأة المثقفة مسترجلة». جاء ذلك في موازاة تسليع الحياة اليومية إلى طاقتها القصوى تحت شعار «سنجعل التدبير المنزلي إبداعياً»، ما أطاح بهوية المرأة المهنية، وأبعدها عن استخدام عقلها في محاكمة ما يدور حولها من مكائد ذكورية يقودها مجتمع السوق. وإذا بالبيت هو غاية الحياة ومبتغاها، أو «معسكر الاعتقال المريح». تتساءل بيتي فريدان بعد تجوال طويل: «هل كانت المشكلة التي لا اسم لها، مشكلة جنسية في نهاية المطاف؟»، ذلك أنّ معظم النساء اللواتي شاركن في الاستبيان، كنّ يقمن بتلميحات غامضة أو إشارات واضحة تتعلّق بمغامراتهن الجنسية في مواجهة رتابة الحياة الزوجية، بتأثير الخيال الجنسي الذي تصدّره الروايات الشعبية والمجلات والبرامج التلفزيونية.
النهضة النسوية التي شهدتها أميركا مطلع القرن العشرين، تعرّضت لاحقاً لأكثر من انتكاسة، بسبب الحروب وتبدّل القيم وتغييب الهدف وتشويه صورة المرأة عمداً. وهذا ما وضع المرأة في قفص اليأس، كمحصلة لمصادرة الذات الأنثوية غريزياً وحياتياً.
لمواجهة هذا العطب، تنصح بيتي فريدان بتحطيم أسوار معسكرات الاعتقال المريحة وتخطي البيولوجيا وجدران البيت الضيقة للمساهمة في تشكيل المستقبل، وتقترح هنا استعادة «الذات المصادرة» داعيةً إلى تحقيق «الشجاعة في أن تكون فرداً» والانخراط في تفكير جديد ينسف المسلّمات التي جعلت المرأة تتكيّف مع قيودها تحت صفة «المهنة: ربة منزل».
يتحقّق ذلك بالكفاح من أجل الحق في هوية إنسانية كاملة تلغي معنى اللغز الأنثوي الذي أسهم في دفن ملايين النساء على قيد الحياة، كي تخرج المرأة من الفخ وخدعة تحقيق الذات بالزواج والأمومة. وتلفت بإلحاح إلى طبيعة التعليم التي حاولت أسر المرأة بمقررات تتعلق بصناعة السجاد وفن الطبخ والخياطة، وبات من النادر أن تهتم بالدراسات الفكرية العميقة.
وفي المقابل، لا تنكر أول رئيسة لــ«المنظمة الوطنية للنساء» وجود ناشطات كارهات للرجال علناً، في برامج لا تتجاوز الثورة الجنسية فحسب، وهي تروي سيرتها الذاتية وكيف اختطت طريقها وسط الأشواك كي تقول من دون تلعثم بأنّها كاتبة، وليست مجرد ربة منزل، وكي تجد هويتها الكاملة بعد عناء طويل.
لعل أهمية هذا الكتاب «عربياً» تتجلى في قدرته على الإضاءة على ما تعيشه المرأة في ظل التمييز الجنسي، بصرف النظر عن الجغرافيا. وهذا ما تحتاجه المرأة العربية اليوم، في ظل الفتاوى والقوانين التي تسعى ـــ من دون هوادة ـــ إلى إعادتها إلى الجاهلية الأولى، ووأدها في المهد.
خليل صويلح

ادب وفنون
العدد ٢٢٥٧ الجمعة ٢٨ آذار ٢٠١٤


إنسانة سورية وحاكم عربي!

هي حتماً مفارقة. لكنّها، بالتأكيد، ليست مصادفة أن يتزامن حدثان في لحظة واحدة: إنسانة سوريّة تضرم النار بجسدها جوعاً، ودزينة حكّام يغرقون في طنافس وثيرة في ما يسمى «جامعة دول عربية». أصلاً هي الصورة المزدوجة المنفصمة الأكثر تعبيراً عن واقع تلك البلدان ومأساة تلك الشعوب. ذلك أن للديمقراطية معايير كثيرة. تبدأ بما قبل تداول السلطة، ولا تنتهي بأولوية الحقوق الطبيعية للإنسان على كل قانون أو حتى دستور. لكن للاستبداد، في المقابل، سمة واحدة هي الأكثر وقاحة وصفاقة: أن يكون الحاكم متخماً والمحكوم مدقعاً.
هكذا هي بلدان أولئك الحكام. بعض التقارير الدولية المتخصصة، يشير إلى أن حجم الثروات الخاصة الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، والمسجّلة داخل بلدانها أو خارجها، بلغ عام 2012 نحو 2.2 تريليون دولار. أي لمن لا يجيد علم الأرقام الخيالية، 2200 مليار دولار فقط. مع توقّع نسبة نمو لهذه الثروات تزيد على عشرة في المئة سنوياً. لتصير 3300 مليار دولار بحلول عام 2015. وتظل غالبية تلك الثروات الخاصة مخفيّة في مصارف خارجية. نظراً إلى هشاشة بلدان من يملكونها، وإلى خوفهم الدائم على ثرواتهم، كما يؤكد تقرير لمؤسسة «ماكينزي». هذه الحسابات المخفية في حصون مصرفية أو في مخابئ سرية أو جنات ضرائبية، جعلت مجموعة «بوسطن» الاستشارية تذهب أبعد في رسم الهوّة عندنا. تقول دراسة لها منذ عام ونيف إن حجم الثروات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط أقرب منطقياً إلى رقم 4500 مليار دولار. الرقم نفسه اعتمده تقرير لمؤسسة «دبليو تي كابيتال مانجمنت».
أما لائحة الأسماء فتنسج حولها الروايات والأساطير. جاء في تقرير لإحدى المجلات المتخصصة قبل عامين، أن ثروة أحد حكامنا تقدر بـ 21 مليار دولار. وثروة حاكم آخر تقدر بـ 19 مليار دولار. ثم حاكم ثالث بثروة تقدر بـ 14 مليار دولار.
بعد انقلابات بعض البلدان العربية سنة 2011، انشغل العالم بظاهرة البحث عن الثروات المهربة أو المسروقة أو المنهوبة لحكّام سابقين. أو لزوجاتهم وأبنائهم، أو لمعاونيهم وزبانية حكم وحاشية بلاط. أحد هؤلاء المخلوعين نسجت حول بطانته العائلية والسلطوية، رواية عن ثروات مجمّعة تقدر بنحو 70 مليار دولار. إحدى المجلات الأجنبية أفردت صفحات لعرض عقارات لأحد هؤلاء، في باريس ودبي ومدريد وفرانكفورت ومصر و منهاتن وبفرلي هيلز.
حاكم آخر خُلع قبل أن يلقى مصيراً وحشياً، قيل إن تصفيته كانت مدبرة، للتعمية على مصير ثروته. وقيل أكثر، إن مصيراً مماثلاً سيلاقي كل المعنيين بما يملك، كي تضيع الأصول والحسابات. حتى أن وسائل إعلام مفترضة جدية، مثل صحيفة «فايننشال تايمز»، تحدّثت عن رقم 130 مليار دولار ضائعة من ثروات بلاده المختلسة. ثروات لا يستبعد بعض الخبراء أن تضيع. كما حصل خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها.
في هذه البلدان نفسها، يعيش أكثر من ثلاثة ملايين إنسان بين قبور إحدى العواصم. وينفق حاكم واحد 60 مليار دولار على صفقة تسلّح واحدة، اعتبرت صفقة العصر في فسادها وعمولاتها. ويحشد حاكم أربعة آلاف «خادم» لتمضية إجازته. وتبلغ ضريبة القيمة المضافة وحدها، على إنفاق حاكم في رحلة واحدة 160 مليون دولار. وفي هذه البلدان نفسها، يتنقل صحافي أوروبي حاملاً شريطاً وثائقياً صوره عن مذبحة العمال الآسيويين في إحدى عواصم هؤلاء الحكام. حيث يستورَدون بالآلاف، ويحشرون في مستوعبات معدنية للمبيت مثل البهائم. وحيث تقع بينهم معارك يذهب ضحيتها المئات كل عشية. قبل أن تطمر جثثهم صباحاً، ويستمر العمل على قاعدة أن أحداً لا يعلم. وفي هذه البلدان نفسها ينحدر المستوى التعليمي إلى ما دون بنغلادش. ويقوم أكبر فارق في تاريخ الأرقام، بين الإنفاق الصحي من جهة وجودة الاستشفاء من جهة أخرى. ولهذه البلدان بالذات تكاد تصبح متخصصة أو شبه حصرية، تقارير المآسي الصادرة عن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أو منظمة الشفافية العالمية. وصولاً إلى البنك الدولي الذي يغازل من وراءه حكام تلك البلدان، فيما تقاريره تتحدث عن كون المواطن العربي هو الأكثر فقرا في العالم، مع أرقام من نوع: 75 مليون إنسان عندنا يعيشون تحت خط الفقر، ونحو 112 مليون إنسان عندنا يعانون سوء التغذية، ونسبة أمية عندنا تبلغ أكثر من 46 في المئة، وعدد أميين من البالغين عندنا يزيد على 70 مليوناً!
هي مفارقة لا مصادفة. فالمتربعون على تلك الطنافس لا يحملون اياً من الصفات التي يزعمون. لا «جامعة» هم. ويكادون يخفون تحت كل عباءة خنجراً. ولا «دول» هم. في غياب أبسط مقومات الدولة عندهم. فالنفط بديل الأرض، والرعايا بديل الشعب، والعائلة ــــ القبيلة بديل المؤسسات. ولا «عربية» في لغتهم وخطبهم المقروءة بجهد تلامذة الحضانة. ولا عجب، كونهم أكبر أميي ملاييننا السبعين.
تبقى العبرة لتلك الإنسانة السورية التي أحرقت نفسها. لا تحسبي لحظة أن أياً من هؤلاء قد أحس بنارك أو حرقك أو حرقتك أو جوعك أو وجعك. فهؤلاء بالكاد يُحسون بجلودهم «المتمسحة»، إذا ما أُحرقوا هم... مجرد فكرة، لاستخلاص العبرة اللازمة حول من يستحق الحياة، ومن يستحق الإحراق والاحتراق.

جان عزيز /كلام في السياسة
سياسة
العدد ٢٢٥٦ الخميس ٢٧ آذار ٢٠١٤







mercredi 26 mars 2014

Nos banques à l'heure de vérité

Tous les établissements de crédit de la place de Tunis sont tenus, d'ici au 30 mars 2014, d'afficher un taux de solvabilité minimum de 10 %. Certains banquiers ne doivent pas dormir la nuit.
Il a suffi d'un communiqué pour que la valeur de l'action UIB-Société Générale annonce une dégringolade vertigineuse sur le marché boursier de Tunis. Le communiqué en question indiquait que les états financiers de la banque, arrêtés au 31 décembre 2013, "sous réserve de leur certification définitive par les commissaires aux comptes, de leur revue par les autorités de tutelle et de leur approbation par l'assemblée générale des actionnaires" font apparaître un résultat net de 38 MD, des fonds propres comptables de 61,7 MD, équivalent au tiers du capital social, alors que la norme minimale oblige à 50 % du capital. Du coup, c'est le ratio de solvabilité de la banque qui s'est dégradé affichant un taux de 5,2 %, alors qu'obligation est édictée par la Banque Centrale de Tunisie (BCT) d'enregistrer un ratio de 10 % d'ici à la fin du premier trimestre 2014. Cela devrait se traduire par une recapitalisation de la banque d'un montant de 150 MD. Autrement dit, il s'agit pour la banque de renflouer ses caisses. Cette opération prendra-t-elle la forme d'une augmentation du capital? Dans cette perspective, on comprend dès lors les craintes des détenteurs d'actions de l'UIB qui risquent soit de voir la valeur de leurs actions chuter de moitié - s'ils n'exercent leurs droits préférentiels de souscriptions à l'augmentation du capital de l'UIB, celle-ci devenue inévitable -, soit de jour le tout pour le tout en maintenant leur confiance à l'égard du management de la banque d'assainir définitivement l'établissement de crédit.
Il convient de rappeler, à ce propos, que l'UIB n'en est pas à sa première recapitalisation. En 2008, l'UIB a obtenu deux prêts subordonnés du Groupe Société Générale, actionnaire majoritaire à plus de 52 % de l'UIB, d'un montant de 40 MD chacun dans le cadre du respect par la banque des règles prudentielles.
Mais à ce stade, une question s'impose d'elle-même : pourquoi l'UIB se serait-elle hâtée de livrer une information qui, objectivement, la dessert, d'autant plus que ce ne sont pas les obligations légales de notre législation bancaire qui l'imposent. La banque aurait pu attendre que l'assemblée générale des actionnaires devant statuer sur les comptes de 2013 entérine la proposition du conseil d'administration pour livrer pareille information. C'est que l'établissement du bilan est exigé dans les plus brefs délais par l'actionnaire majoritaire, c'est-à-dire le Groupe Société Générale qui est obligé d'intégrer les résultats de sa filiale dans l'élaboration de ses comptes consolidés dans les délais fixés par la loi bancaire française. A défaut, le Groupe serait sévèrement sanctionné.
L'UIB n'est qu'un cas parmi tant d'autres
En tout cas, ce qui se passe à l'UIB donne à voir sur l'état de santé de nos établissements de crédit. Ceux qui croient que les problèmes du système bancaire du pays se réduisent à la situation financière des banques publiques sont invités à revoir leur position. Car, il n'est nullement surprenant que le cas de l'UIB soit exclusif. Les propos tenus récemment par 'Chédly AYARI', gouverneur de la BCT, aux membres de la Commission de la réforme et de la lutte contre la corruption de l'Assemblée Nationale Constituante (ANC), sont révélateurs : la valeur des créances classées du secteur bancaire a atteint 12,5 milliards de dinars en ce début d'année, soit 20 % du total des engagements des établissements de crédit de la place. Les banques publiques en détiennent 40 %, ce qui signifie que 60 % du volume des créances accrochées sont détenues par les autres banques.
Si l'on tient compte des estimations de la Banque Mondiale concernant la recapitalisation des banques publiques pour leur éviter tout risque d'insolvabilité qui oscille entre 3 et 5 % du PIB. Quand on y ajoute le montant de la recapitalisation de l'UIB et des autres banques pour satisfaire au ratio de solvabilité de 10 %, cela devrait nécessiter plusieurs milliards de dinars, que les banques qui ne sont pas adossées à un partenaire de poids auront les pires difficultés à s'en sortir. D'autant que le 30 mars 2014, date limite imposée par la BCT, est dans quelques jours. Croisons les doigts.
EcoJournal
N°228, du 14 au 20 mars 2014, p. 3

lundi 3 mars 2014

La bonne question pour Washington

La crise en Ukraine continue de faire les grands titres de l’actualité internationale. Selon la presse américaine, 90 minutes de conversations téléphoniques entre les présidents Obama et Poutine n’ont servi qu’à mettre en évidence les grandes divergences qui séparent Washington et Moscou  quant à l’évaluation des causes et des conséquences de la crise.
Pour les Etats-Unis, Poutine a « violé la loi internationale et la souveraineté de l’Ukraine ». Pour la Russie, il s’agit d’ « une réponse légitime aux provocations criminelles d’ultranationalistes soutenus par les autorités en place actuellement à Kiev. »
La Russie se sent d’autant plus menacée et ses intérêts vitaux en danger que le travail de sape de l’influence russe en Ukraine, initié et soutenu par l’Occident, a commencé depuis 2004, avec la « révolution orange », et se poursuit dix ans après avec le renversement du président Viktor Ianoukovitch, démocratiquement élu.
Que peuvent faire les Etats-Unis contre un pays qui possède un arsenal nucléaire terrifiant et qui tient le robinet de gaz qui alimente la majorité des pays européens ? Les menaces de bombardement et les ultimatums ne pouvant être proférés que contre les petits pays dépourvus de moyens de défense, Obama se contente donc de recourir aux menaces auxquelles recouraient ses prédécesseurs en cas de crise avec la défunte Union soviétique : sanctions économiques, convocation du Conseil de sécurité de l’ONU, boycottage des événements internationaux organisés par la Russie et autres mesures auxquelles Poutine ne pourrait très probablement répondre que par un haussement d’épaules.
En attendant une issue à cette crise internationale, les Etats-Unis gagneraient à se soumettre à un petit exercice d’introspection qui devrait les inciter à plus de modestie et les convaincre de la nécessité de mettre un peu d’eau dans leur vin. La bonne question à laquelle ils doivent répondre est comment un pays qui décide sans rime ni raison de détruire l’Irak se permet-il de pointer un doigt accusateur vers la Russie qui, elle, sans avoir tué un chat, tente de sécuriser ses frontières et défendre ses intérêts légitimes et la population russophone de Crimée ?
Cela dit, depuis le déclenchement de la crise ukrainienne, on entend çà et là des commentateurs qui tentent d’établir des similitudes entre ce qui s’est passé en Tunisie en janvier 2011 et ce qui se passe en Ukraine depuis quelques semaines. Certes, à Tunis et à Kiev, c’est la mobilisation de la foule dans la rue qui a fini par provoquer la fuite de Ben Ali en Arabie Saoudite, et de Ianoukovitch en Russie. La similitude s’arrête là, tout le reste étant de nature fondamentalement différente.
La foule ukrainienne a renversé un président légitime élu démocratiquement. Elle a été utilisée au vu et au su de tous par les services secrets et les diplomates occidentaux pour renverser un président non pas parce que c’est un dictateur, mais parce qu’il entretient une solide alliance avec Moscou qui n’est pas du goût de Washington et de Bruxelles.
En Tunisie, les jeux douteux des grandes puissances ne sont pas aussi évidents et il n’y a pas de gros intérêts stratégiques en jeu. Les choses sont donc beaucoup plus simples. Le peuple a toléré pendant 23 ans un dictateur qui ne voulait plus lâcher le pouvoir dont il a usé et abusé ad nauseam. Et puis un jour, la situation est devenue intolérable et le peuple a mis fin à la dictature.