lundi 23 septembre 2013

الإقتصاد المالي الإفتراضيّ ضدّ الإقتصاد الحقيقيّ

إنّ الأزمة الإقتصاديّة الحاليّة ليست أزمة بالمعنى المتعارف عليه في الأدبيّات الإقتصاديّة والماليّة. فالإقتصاد الماليّ الإفتراضيّ مقارنة بالإقتصاد الحقيقيّ هو بمثابة الخليّة السرطانيّة مقارنة بالخليّة السليمة. وبالتالي فإنّ هذا الإقتصاد الماليّ الإفتراضيّ قد تمكّن من الإقتصاد الحقيقيّ بحيث كلّما بترت جزءا من الدّاء ظهرت له غدد جديدة. تطهير الإقتصاد الحقيقيّ من هذا المرض هو أمر عسير التحقيق، بل هو أحيانا مستحيل. فقد حوّل الإقتصاد الماليّ جزءا كبيرا من النّشاط الإقتصاديّ العالميّ، خصوصا في العشرين سنة الأخيرة، إلى عالم الإفتراض. وعوض أن يكون رأس المال جزءا من العمليّة الإنتاجيّة، أصبح سلعة "شبح" تنتقل من محفظة إلى محفظة تديرها شركات المال والمضاربة. القروض، بدورها، تدخل مجدّدا إلى هذه الحافظ لتضخّم الأرقام... لقد مسخ الإقتصاد الماليّ مفهوم التّداين من مستحقّات يجب سدادها إلى مدّخرات توظّف في الأسواق الماليّة وبالتّحديد في عمليّات المضاربة ذات المخاطرة والمردوديّة العاليتين بحيث تحوّلت الديون من عنصر تمويل العمليّة الإنتاجيّة، وهذا دورها الوحيد، إلى ثروات للمضاربة وهو خروج عن المنطق و المعقول بكلّ المقاييس.
لسائل أن يسأل: كيف غفل القائمون على الإقتصاد العالميّ بهذا "المسخ" وقبلوا به؟ فالفرد أو الشركة يتداين كي يستثمر ليربح بنسبة تفوق نسبة التداين فتتكوّن لهم سعة جديدة للتّداين مجدّدا حتّى يستثمر أكثر وهكذا دواليك. وبهذا يكون التّداين دافعا للعمليّة الإنتاجيّة وااتّوظيف ولخلق الثروات و النّماء. أمّا أن يتحوّل الدَّيْن إلى "مدّخرات" توظَّف في أدوات ماليّة للمضاربة فهذا استحدثه "مجانين".
هذا الإقتصاد الماليّ حوّل العالم الغربيّ من عالم منتج إلى عالم مُضارب لا لعجزه على العمليّة الإنتاجيّة وإنّما لارتفاع دخوله وتكاليف إنتاجه إلى درجة أصبح معها غير قادر على شراء منتجاته. ولعلّ الشّعار المرفوع في اليابان لاستهلاك المنتوج المحليّ هو دليل على ذلك. وقد فوّضت المنظومة الرّأسماليّة عمليّة الإنتاج للشعوب الفقيرة و المدعّمة أين نجد مدن الصفيح وتشغيل الأطفال والجريمة والفقر وضعف النّقابات وغياب الدّيمقراطيّة والحرّيّات وأبسط حقوق المواطنة. وهذا النّمط من الإنتاج محكوم عليه لا محالة بالتّقهقر. إنّ أيّام الإقتصاد الرّاسماليّ على نمطه اللّيبراليّ الحاليّ معدودة كما أكّده "جاك أتالي" وغيره.
تبعا للتّحوّلات العربيّة الأخيرة، يجب على النُّخَب الماليّة والإقتصاديّة و السّياسيّة التّفكير في "مجلس تأسيسيّ اقتصاديّ" لبناء منظومة تتحرّر من تبعات الإرتباط العضويّ بالخارج. فالمطلوب ليس بالضرورة حسر القطاعات الموجّهة إلى الخارج كالسّياحة وقطاع النّسيج والفلاحة، إنّما تغيير هذا "الخارج" وهذا يتطلّب جهدا وعملا وخبرات تسويقيّة لا نظنّ أنّها تعوزنا.
                                                                                                                                         "مصطفى البعزاوي"،
                                                                                               "الأزمة الماليّة العالميّة: متى يعود الرّشد إلى المتدخّلين"،
                                                                                               المغرب، العدد 50، الجمعة 21 أكتوبر 2011، ص. 15

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire