mardi 23 février 2016

رجاء سيّدي الرئيس ... اصمت

سيّدي رئيس الجمهوريّة التونسيّة،
وزير خارجيّة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة (من 15 أفريل 1981 إلى 15 سبتمبر 1986)،
 والحارس "الأمين" للإرث البورقيبي،
أسمح لنفسي أن أوجّه إلى سيادتكم النقد إنطلاقا من هذه الصفات الثلاث وأنا أطالع بعض المقالات عن زيارتكم لبعض دول الخليج (العربي أو الفارسي) وخاصّة مملكة آل سعود (أو ما تُعرف بالمملكة العربيّة السعوديّة).
لم أكد أصدّق الأخبار الّتي أوردت بعض ما تفوّهت به، سيّدي الرئيس، عن وقوف تونس مع "السعوديّة" ضدّ أيّ خطر يتهدّدها.
بحكم معرفتي المتواضعة بتطوّرات الأحداث في الشرق الأوسط من سوريا ولبنان إلى العراق مرورا بمصر واليمن، فما من شكّ أنّ مصدر هذا "الخطر" لا يمكن أن يكون بلدا آخر غير إيران.
أسمح لنفسي أن أذكّرك بطبيعة علاقة البلدين وحروبهما المفتوحة على أكثر من واجهة في سوريا (جبهة النصرة و داعش ضدّ نظام 'بشّار الأسد' المدعوم من طهران)، وفي اليمن (عاصفة الحزم الّتي يقودها وليّ وليّ العهد السعوديّ بنفسه ضدّ جماعة "أنصار الله" الحوثيّة الشيعيّة)، وفي العراق (الحشد الشعبي الشيعي ضدّ داعش)، وفي لبنان (14 آذار وعلى رأسه آل الحريري – مزدوجي الجنسية اللبنانية السعوديّة – و"مستقبلهم" ضدّ 8 آذار بقيادة "حزب الله" الشيعي)،... زد على ذلك الإختفاء الغريب للسفير الإيراني السابق في حادثة منى ووفاة المئات من الحجّاج الإيرانيّين في هذه الحادثة، إضافة إلى إعدام المعارض السعودي الشيعي 'نمر باقر النمر'.
ولعلّك على دراية بالتّدخّلات السعوديّة (والإسرائيليّة) المتكرّرة في سبيل عرقلة تقدّم المفاوضات الإيرانيّة حول مشروعها النوويّ (وهو أحد نقاط الإلتقاء والتوافق بين السرطانين: الكيان الوهابي والكيان الصهيوني).
ولعلّك أيضا على دراية بالنكسة السعوديّة بعد نجاح هذه المفاوضات ورجوع إيران بقوّة على الساحة السياسيّة والإقتصاديّة الدوليّة. ففي الوقت الّذي كنتَ، سيّدي الرّئيس، تحاول إرضاء "الملك سلمان" ولو بقول خاطئ وغير مقبول، كان حكّام أوروبّا وعلى رأسهم "فرنسوا هولاند" يقومون بما يمكن تسميته ب"العُهر السياسي" وهم يستقبلون الرئيس الإيراني "حسن روحاني" في الإيليزيه ويتناولون معه فطور الصباح (في باريس) ويغطّون التماثيل "العارية" في روما حتّى لا تُمسَّ مشاعره الحسّاسة. كلّ هذا "العهر" لقاء شراء عشرات طائرات الإيرباص وعودة "بيجو" و"رينو" إلى السوق الإيرانيّة،...
سيّدي الرئيس،
ليتكَ لم تتفوّه بهذه الجُمل وأنتَ كبورقيبيّ تعلم أنّ تونس سعت لمدّة عقود إلى النّأي بنفسها عن اتّخاذ مواقف بعينها ضدّ هذه الدولة أو تلك حتّى صارت "سويسرا العرب". وراجع بذاكرتك مشاركة بلادنا في منظّمة دول عدم الإنحياز أيّام رئاسة بورقيبة لهذا البلد الفقير والجاهل والّذي بدأ يتلمّس طريقه بعد الإستقلال، أو موقف بلادنا المعتدل في حرب الخليج الثانية وعاصفة الصحراء. وتذكّر، سيّدي الرئيس، موقفين تاريخيّين للزعيم بورقيبة وهما خطاب البلمريوم الشهير وسعيه إقناع 'العقيد معمّر القذافي' بضرورة القطع مع شطحاته القوميّة الوحدويّة والإهتمام بالموارد البشرية و الإستثمار في "العقل" والناشئة، وراجع كذلك رسالته الشهيرة إلى 'الحبيب ثامر' من زنزانته الفرنسيّة بتاريخ 8 أوت 1942 طالبا منه (ومن ورائه كلّ التونسيّين) عدم الوقوف مع المحور لأنّ على تونس أن تكون في نهاية الحرب العالميّة الثانية في جانب الرابحين.
سيّدي الرئيس،
من المؤلم بعد كلّ ما سبق أن أجدك قد وضعتنا كشعب ودولة ومفكّرين ورجال أعمال في جانب الخاسرين.
أَوَلَمْ تعلم بعد برفع العقوبات الأمريكيّة والأوروبيّة التدريجي على "الجمهوريّة الإسلاميّة" ؟ أَوَلَمْ يُعلمك مستشاروك بتفاصيل الإتّفاقيّات بين فرنسا وإيران، على سبيل المثال، والّتي تُقدّر ب45 مليار دولار والمتمثّلة أساسًا في شراء 118 طائرة إيرباص (من مختلف الأحجام) وعودة "بيجو" للتصنيع والتوزيع في إيران (من خلال شراكتها مع "خودرو") وشراء "توتال" نحو 200 ألف برميل يوميّا من النّفط الإيرانيّ، علاوة على اتّفاقيّة توأمة بين شركات سكك الحديد الإيرانيّة والفرنسيّة،...
وفي الجانب المقابل، ألم تعلم بعد بالمصاعب الإقتصاديّة الّتي صار يعرفها إقتصاد هذه "الدّولة" الّتي تُسارع، سيّدي الرئيس، إلى التسوّل منها. إقتصاد رعويّ يشهد عجزا في الموازنة يُقدّر بحوالي 20% من الناتج المحليّ الإجمالي وانخفاض الودائع البنكيّة بمقدار 10% وهو ما يعني أنّ البنوك السعوديّة فقدت في سنة واحدة 70 مليار دولار (حسب وكالة بلومبرغ). وهو ما دفع مجلس إدارة هذه "المملكة" – وأعني هنا العائلة المالكة – إلى الرّفع في أسعار البنزين (؟؟؟) ورفع الضرائب وبداية سياسة تقشّف وسحب جزء من احتياطيّاتها الماليّة لسدّ العجز مع طرح سندات لتمويله،... وهو ما خفّض في احتياطيّاتها من النقد الأجنبيّ.
أَوَلَمْ يأتِكَ بعدُ نبأ "الشرق الأوسط الجديد" الّذي أعدّته "الولايات المتّحدة الأمريكيّة" وشرعت في تنفيذه منذ احتلال العراق مرورًا عبر ما يُسمّى بالربيع العربي و الّذي سينتهي بتقسيم ليبيا (وهو ما سيتمّ إكماله بعد أسابيع قليلة) والجزائر ومصر (بعد إنهاك جيوشها تمامًا كما حصل في العراق) و"السعوديّة". فهذه الأخيرة ستنتهي – حسب هذا المخطّط – مقسومة إلى دويلات (مكّة والمدينة في شبه دويلة مستقلّة على نمط الفاتيكان وضمّ جزء من مناطقها الشماليّة الغربيّة إلى الأردن (بعد تهجير من تبقّى من "فلسطينيّي الداخل" لتطهير أرض "إسرائيل التاريخيّة") ومناطقها الشرقيّة إلى الدولة الشيعيّة المتكوّنة أيضا على أجزاء ممّا كان يُعرف بالعراق و ضمّ مناطقها الجنوبية إلى "اليمن الشمالي").
وبمنطق الربح والخسارة، ماذا جنى الشعب التونسي من زيارتكم إلى "مملكة آل سعود" وكلامكم عن "الوقوف إلى جانب هذه "المملكة" ضدّ أيّ خطر" وقفزكم للإنضمام للتّحالف الّذي يقوده "محمّد بن سلمان" ضدّ اليمن؟
بمنطق الربح، فقد تسلّمت 48 طائرة خارج نطاق الإستعمال سيُحال الأشخاص الّذين يبلغون نفس عمرها على التقاعد قريبا، وتمويل محطّة توليد كهربائيّ والحصول على قروض بنسب فائدة لا نعلمها وبشروط خفيّة.
وبمنطق الخسارة، فقد أقحمتنا، سيّدي الرئيس، في حروب لا تمتّ لنا بصلة رغم أنّنا لم نخض – على الأقلّ رسميّا – حربًا واحدة منذ استقلال بلادنا وجلاء القوّات الفرنسيّة. ألم يكن من الأجدر، وأنت أعلم منّي بعلم السياسة ودهائها ومكرها، أن تحتفظ بعلاقات جيّدة مع "السعوديّة" وإيران في آن؟ ألم تكن هذه سياستنا الخارجيّة منذ عقود؟ فما الّذي دعاك، سيّدي الرئيس، إلى كسر هذه القاعدة وهذا العقد الأخلاقي لكي تنبطح بهذه الطريقة المخجلة والمقرفة لآل سعود؟؟؟  ما الّذي أدراك بتوجّهات حكومتنا السياسيّة والإقتصاديّة تجاه إيران؟ أمتأكّد أنت أنّك لا تتناقض مع إمكانيّة الإنفتاح على هذه السوق العملاقة ومع مليارات الدنانير الّتي يمكن أن نُحصّلها من المعاملات الإقتصاديّة مع هذا البلد؟ أم أنّك تستغلّ فراغًا دستوريًّا يمكّنك من التحرّك ديبلوماسيّا في اتّجاهات مختلفة؟ فدستورنا يسمح لنا نظريّا من إيجاد رئيس مستقلّ أو مُنْتَمٍ لحزب غير مشارك في الحكومة (يعني لا ينتمي للأغلبيّة البرلمانيّة) وهو ما سيُحدث إشكالات جمّة.
سيّدي الرئيس،
إن كُنْتَ تعتقد كالكثيرين بواجب مجابهة خطر المدّ الصفويّ الشيعيّ، فإنّني متأكّد – رغم يقيني بوجود هذا الخطر – بأنّه لم يكن ولن يكون أكثر خطرًا من المدّ الوهّابي المتطرّف الّذي تسعى، سيادتك، إلى الذّود عن أكبر مموّليه والّذي فتك ومازال يفتك بالآلاف من شبابنا.
سيّدي الرئيس،
أَوَلَمْ تُؤمن بعدُ بوجوب القطع مع هذه المهاترات والتخميرات والإنزلاقات الصبيانيّة والعمل – بجميع السبُل الممكنة – في سبيل إعادة بناء اقتصاد بات على أبواب الإنهيار والإفلاس إن من حيث الجانب الكلّيّ (macroéconomie) مع مؤشّرات تُنْذِرُ بكارثة قريبة و"كوميسيون ماليّ" جديد (قد يفضي إلى انتصاب "الحماية" من جديد) أو من حيث الجانب الجزئيّ (microéconomie) أين يعيش عشرات الآلاف منّا تحت خطّ الفقر وحيث لا يجد الواحد منّا ما يُقِيتُ به أهل بيته ويبات صغاره بدون عشاء أو يُفلس صاحب المؤسّسة ويُجبَر على طرد عمّاله ومعاونيه.
إنّنا اليوم، سيّدي الرئيس، أمام أزمة أخلاقيّة بامتياز يتكالب فيها أشباه الرّجال على كراسٍ ومناصب ويلهثون وراء الحظوة والشهرة على حساب شعبٍ جائع وناقم، ويخون بعضهم الوعود والأمانات فور تسلّقهم للمناصب والوصول لمبتغاهم.
تذكّر مصير الزّعيم الرّاحل 'الحبيب بورقيبة' و "الجنرال بن علي" واعتبر من نهايتهما، خاصّة وأنت في أرذل العمر. ولا تزدنا ندما على انتخابك وحزبك – عليه رحمة الله – يوما مّا.
لذا، وبناءً على ما تقدّم : رجاءً، سيّدي الرئيس، اصمت ... وإلاّ فارحل.
                                                                                                                  ماجد الشرفي
                                                                                                    تونس، في 23 فيفري 2016

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire