vendredi 3 juin 2022

نظام التفاهة لآلان دونو (مقدّمة المترجمة مشاعل عبد العزيز الهاجري)

 نظام التفاهة

د. آلان دونو

ترجمة وتعليق: د. مشاعل عبد العزيز الهاجري

دار سؤال للنشر

بيروت، 2020

تحيّة

       I.            عن الكاتب

"كندا السوداء: النهب والإفساد والإجرام في إفريقيا" (Noir Canada: Pillage, corruption et criminalité en Afrique).

   II.            عن الكتاب

"بذلك، وعبر العالم، يلحظ المرء صعودًا غريبًا لقواعدَ تتّيم بالرداءة والإنحطاط المعياريّين: فتدهورت متطلّبات الجودة العالية، وغُيِّب الأداء الرفيع، وهُمِّشَتْ منظومات القيم، وبرزت الأذواق المنحطّة، وأُبْعِدَ الأكفّاء، وخلت الساحة من التحدّيات، فتسيّدت إثر ذلك شريحةٌ كاملةٌ من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية، وكلّ ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية، ودائمًا تحت شعارات الديمقراطيّة والشعبوية والحرية الفردية والخيار الشخصي، حتّى صار الأمر يذكِّر بما كان مونتسكيو Montesquieu يحذّر منه من وجوب صون الحريّة عن الإبتذال عندما قال إنّ "ممارسة الحريّة من قِبل أكثر الشعوب تمسّكًا بها تحملني على الإعتقاد بوجود أحوالٍ ينبغي أن يوضع فيها غطاءٌ يستر الحريّة مثلما تُستَر تماثيل الآلهة" [مونستكيو، روح الشرائع، الجزء الأوّل، ترجمة عادل زعيتر وأنطوان نخلة قازان (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2014)، ص. 393]" (ص. 14).

III.            عن ترجمة هذا الكتاب

1.      لماذا أُترجم هذا الكتاب، تحديدًا؟

"[...] مستحضرةَ في ذلك قولاً قرأتُه ذات مرّة للكاتب السوري عبد اللطيف الفرحان: "الكتابة عندي فرض كفاية، إذا كتب غيري وأجاد عن الموضوع فلا أجد كتاباتي إلاّ تكرارًا. وبالتالي، فعزوقي عن الكتابة عنها ليس موقفًا، بل إيمانًا بأنّه ليس لديّ ما أضيفه لقضيّة واضحة ومحسومة وصريحة. فالكتابة ليست إثبات موقف، بل إضفاء قيمة معرفيّة""(ص. 16).

2.      منهج الترجمة وتحدّياتها

"[...] ألمْ يصِف إمبرتو إيكو ما يحدث في عمليّة الترجمة بأنّه تفاوضٌ بين لُغتيْن، تتنازل إثره كلّ لغة عن شيءٍ ما من كيانها التعبيري؟ ولكنّني، بعد التفكير، إستحضرتُ مقولة والتر بينجامين Walter Benjamin في مقالته الشهيرة "رسالة الترجمان" The Task of the Translator: "في الترجمة أكثر من مجرّد تبليغ، فإن شئنا صياغة تحديد أدقّ لهذه النواة الجوهريّة، جاز لنا القول إنّ الأمر لديها لا يقبل الترجمة من جديد. ذلك انّه مهما استطعنا أن ننتزع منها شيئًا من التبليغ حتّى نُتَرْجِمَه، فإنّه يتبقّى دومًا شيء لا يمكن لمسه، عليه ينصبّ عمل الترجمان الحقّ" [فالتر بنجامين، "رسالة الترجمان"، ترجمة: فتحي إنقزو، مجلّة العربية والترجمة، العدد 26، حزيران/يونيو 2016. ومن حيث الأصل، كان هذا المقال مقدّمة كتبها بنجامين لترجمة قام بها لديوان الشاعر الفرنسي بودلير Baudelaire "أزهار الشر" Les fleurs du mal عندما نقله من الفرنسيّة إلى الألمانية، إلاّ أنّه أصبح بعدها من أهمّ القطع النقديّة التي تتعاطى مع الترجمة من منظور تأمّلي]" (ص. 18).

"هناك مترجمون يترجمون الكلمات، ومترجمون يترجمون الأفكار، وآخرون يترجمون الكلمات ويشرحون الأفكار معًا، وهي المهمّة الأصعب. وقد اخترتُ أن أكون من الأخيرين" (ص. 19).

"[جون درايدن، "رأي في الترجمة"، ترجمة مبارك إبراهيم، مجلّة الثقافة، العدد رقم 606، 7 أغسطس 1950، ص. 2]" (ص. 20).

3.      منظور إلى المترجمة، عمومًا

"كان الأديب المصري توفيق الحكيم يقول: "المعنى الحقيقي للحضارة والبلد المتحضّر هو أن توضع كلّ آثار الذهن وتراث الفكر في متناول الأيدي بلغة البلد" [توفيق الحكيم، سجن العمر، ط. 2 (القاهرة: دار الشروق، 2008)، ص. 116]" (ص. 21).

"[موريس بلانشو، أسئلة الكتابة، ترجمة نعيمة بنعبد العالي وعبد السلام بنعبد العالي (الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 2004)، ص. 84]" (ص. 21).

"[الجاحظ، "الحيوان"، ج 1، ص 76]" (ص. 22).

"[...] ولذلك، فقد وقع اختياري على اتباع أسلوب جورج شتاينر George Steiner الذي يمثّل مساهمته الأبرز في نظريّة الترجمة [George Steiner, Aspects of Language and Translation (New York: Oxford University Press, 1975]، والذي يذهب إلى أنّ الترجمة تقع على أربع حركات، هي الثقة (trust)، العدوان (aggression)، الدمج (incorporation) والتعويض (restitution)" (ص. 23).

4.      ملاحظات على النسخة الإنجليزية

  IV.            الأطروحات الكبرى للكتاب

1.      الإطار العام: اللعبة

""التسفّل أيسر من الترفّع"، كمل قال جمال الدين الأفغاني" (ص. 26).

"[باسكال سلان، الليبرالية، ترجمة تمالدو محمد (عمّان: منبر الحرية، 2010)، ص. 411]" (ص. 26).

2.      لغة خطاب التفاهة

"على خلاف ما تُفهِمُنا النظم الآيديولوجية، فإنّ السلبيّة قيمة. تدفع التعاليم الآيديولوجية الناس دفعًا إلى اتّخاذ موقفٍ ما نحو المناطق الفكريّة الخلافيّة، فتحثّهم إمّا على تكوين رأيٍ جديدٍ أو اعتناق رأيٍ سائد، مع التعبير السياسيّ الواضح عن ذلك (من خلال النقاش / الكتابة / التظاهر / الإضراب / الإعتراض / الإعتصام).

ولكن هذه الأيديولوجيات تنسى – أو تتناسى – أنّ قدرات الناس محدودة، إمّا طبيعةً (معدلات ذكاء ضعيفة) وإمّا إعدادًا (جهل معرفيّ) وإمّا كَسلاً (تقاعس) وإمّا تأثّرا (ضعف شخصيّة) وإمّا خوفًا (خشية الإنتقام). إنّ المهارة الأوليّة التي ينبغي تعليمها للناس ليست مهارة اعتناق الرأي، بل مهارة "لا–اعتناقه": أي القدرة على ترك مسافةٍ بين النفس والرأي، مع مقاومة إغراء الإنتماء إلى معسكرٍ فكريٍّ رغم عدم القدرة على اتّخاذ القرار." (ص. 27).

أ‌.         القصّ (ميثوس أسلوبًا

ب‌.     اللغة الخشبيّة

"[عقيل يوسف عيدان، أوجه المكعّب الستة: ألعاب اللغة عند فتغنشتاين (القاهرة: دار العين للنشر، 2011)، ص. 55]" (ص. 28).

"[عبد الفتاح كيليطو، أنبئوني بالرؤيا، ترجمة عبد الكريم الشرقاوي (بيروت: دار الآداب، 2011)، ص. 95]" (ص. 29).

"[أولريش بيك، مجتمع المخاطر، ترجمة جورج كتورة وإلهام الشعراني (بيروت: المكتبة الشرقية، 2009)، ص. 255]" (ص. 29).

"يُذكر أنّ لأورويل Orwell أيضًا مقالاً شهيرًا بعنوان "السياسة واللّغة الإنجليزية" (1946) Politics and the English Language، أورَد فيه أنّ عادات الكتابة الخشبيّة مُستفحلة، أكثر ما يكون، في أوساط السياسيّين" (ص. 30).

ت‌.     التبسيط الخطر

"[كارل بولانيي، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة سعود المولى (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2007)، ص. 104]" (ص. 30).

"[الأميرة أريان ابنة مينوس ملك كريت هي شخصيّة من الميثولوجيا الإغريقيّة. أحبّت أريان البطل تيزي الذي جاء إلى جزيرتها ليقتل المينوتور (وحش له جسد إنسان برأس ثور) المحاصر داخل متاهة. وحتّى لا يضلّ تيزي طريقه، زوّدته أريان بعدّة النجاة: سيفًا وكومة من الخيط. صار تعبير "خيط أريان" يستخدم بعدها ككناية عن الوسيلة اللازمة للإهتداء إلى الطريق القويم أو الإختيار الصحيح في الظروف الصعبة]" (ص. 31).

"[هنري أرفون، فلسفة العمل، ترجمة عادل العوا، ط 2 (بيروت: منشورات عويدات، 1989)، ص. 115]" (ص. 31).

"[برتراند رسل، حكمة الغرب: عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي، الجزء الأوّل، ترجمة فؤاد زكريا، ط. 2 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2009)، ص. 176]" (ص. 32).

"[هناك مثلٌ لاتيني يقول "يُستدلّ على الأسد من مخالبه" ex ungue leonem. أضاف إليه شوبنهاور عبارة ex aure asinum في سياق نقده لهيجل، التي تُترجم إلى "يُعرف الحمار من أذنيه". لذلك، لا يُنبئك عن الأكاديميين مثل إنتاجهم العلمي، فتكون الأبحاث المحكّمة المنشورة هي نواة التخصّص بالدرجة الأولى، وكلّ ما عدا ذلك يجب أن يكون نتاجًا لها (محاضرات / مؤلفات / مشاريع / مقابلات). أمّا الجوائز العلمية، فهي نتيجة طبيعية لهذه الأنشطة. من هنا، ينبغي أن نكون حذرين ممّن يكثرون من التصدّي لموضوعات أكاديمية من دون أن يكون في ترسانتهم العلميّة أبحاث منشورة تعمل كأساس قاعديّ لمعارفهم (وهو ما ينطبق، تحديدًا، على الأكاديميين ذوي النشاط اللفظي والشفاهي المحموم)]" (ص. 32).

"[يُعرف عن الصوفي الفارسي شمس الدين التبريزي (1185-1248) قوله "يوجد في هذا العالم معلّمون مزيّفون أكثر عددًا من النجوم في هذا الكون المرئي. فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيّين الذين يعملون بدافع السلطة وبين المعلّمين الحقيقيّين. فالمعلّم الروحي الصادق لا يوجد انتباهك إليه، ولا يتوقّع طاعة مطلقة له أو إعجابًا تامًّا منك. بل يساعدك على أن تقدّر نفسك الداخليّة وتحترمها. إنّ المعلّمين الحقيقيّين شفافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم]" (ص. 33).

"ابتداءً، يقف المعلّم على ربوة عالية، يشرف منها على معارف كثيرة، تتاح له وحده بسبب امتياز وضعه (العلمي) كأرستقراطي، دون طلبته. ولأنّه، كمعلّمٍ حقيقيّ ثوريٌّ بالضرورة، فهو عوضًا عن أن يريحَ نفسه بأن يبقي طلبتَه – البروليتاريّين معرفيًّا – في مكانهم بالأسفل فيكتفي بأن يصف لهم ما يراه هو من موقعه العالي على تلك الربوة (بدعوى تبسيط المعارف)، فإنّ دوره الحقيقي هو أن يتجاوز أنانيّته المريحة، فينبذ مسوح الأرستقراطي بأن يشمّر عن أكمامه، ثمّ يمدّ كلتا يديه لطلبته حتّى يساعدهم جميعًا على تسلّق تلك الربوة العالية، واحدًا تلو الآخر، فيروا بأعينهم المنظر البانورامي المعرفي الجميل، الذي كان يراه وحده. إنّ مواجهة مثل هذا التحدّي الثوري الكبير لا تكون إلاّ من خلال مواجهة العقبات المعرفيّة بحجمها الطبيعي، لا ذاك المُختزَل بدعوى التبسيط.

وعندما يساعد المعلّم الحقيقي جميع طلبته على ارتقاء تلك الربوة المعرفيّة فإنّه سيتعامل مع حمل ثقيلٍ؛ سيؤلمه ساعداه، وستنغرز قدماه بالوحل، كما سينتهي به الأمر بأن يقف طلبته إلى جانبه تمامًا، على ذات الأرض العالية التي كان ينفرد بميزة الوقوف عليها وحده دونًا عنهم. وبذلك، فإنّه سوف يحيل طلبته من بروليتاريا خاضعة إلى أرستقراطيّة متطلّبة، تتكوّن من نظراء له؛ يناقشونه، يُتعبونه، بل وقد يتفوّقون عليه معرفيًّا.

ومع ذلك، فإنّ المعلّم الحقيقي يُدرك أنّه الفائز دائمًا، مهما تجاوزه طلبتُه: بالمنظور المثالي المعلَن، وعلى المدى القصير؛ لقد انتصرت ثورتُه وحقّقت أهدافها. أمّا بالمنظور النرجسيّ السري؛ وعلى المدى الطويل؛ فهو يدرك تمامًا أنّ النتاج الحقيقي لجهده هو تحويل طلبته من "أنداد" إلى "امتداد". سيعيش إلى الأبد، هذا المعلّم الثوري." (ص. 33-34).

3.      الأكاديميا

أ‌.         الجامعة

"[حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ج. 1، ص. 22]" (ص. 35).

"[ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ترجمة جورج كتورة (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2011). عنوان الكتاب في نسخته الإنجليزية هو Science as a Vacation.]" (ص. 36).

"[ [...] نانسي جلاجير، "حوار: حياة عبد الله العروي وأزمنته"، ترجمة الحسين سحبان، مجلة يتفكّرون (تصدر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث)، العدد 7، 2015، ص. 298]" (ص. 37).

ب‌.     الخبير

"بدعوى التخصّص، كانت الفلسفة كلاًّ، ثمّ تفكّك: فكّ إقليدس الرياضيّات عن الفلسفة، فكّ كوبرنيكوس علم النجوم عن الفلسفة، فكّ نيوتن الميكانيكا أو علم الحركة عن الفلسفة، فكّ داروين البيولوجيا عن الفلسفة، فكّ فرويد علم النفس عن الفلسفة، والآن صارت العلوم الإدراكية cognitive science تنفكّ تدريجيًّا عن الفلسفة. لا ريب أنّ الفقر الفكري صار مُدقعًا؛ هذه من أهمّ أصول التفاهة" (ص. 37).

"[عبد السلام بنعبد العالي، سيميولوجيا الحياة اليومية (الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 2016)، ص. 50]" (ص. 38).

"[بليز باسكال، خواطر: سمات في الفكر والأسلوب والخلقيات والمعتقد، ترجمة إدوار البستاني (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2015)، ص. 34]" (ص. 38).

4.      التجارة والاقتصاد

أ‌.         الحوكمة

"[مشاعل عبد العزيز الهاجري، "حوكمة قطاع الطيران بين الكائن والممكن: دراسة حالة لشركة الخطوط الجوية الكويتية"، مجلة كلية الحقوق العالمية KILAW (الكويت)، العدد 15، السنة الرابعة، سبتمبر 2016، ص.335-413]" (ص. 40).

ب‌.     تنميط العمل: إضمحلال الحرفة وظهور المهنة

"لماذا يبدو لنا، رغم انتشار "المهنة"، أنّ الفقراء يزدادون فقرًا، وأنّ الأثرياء يزدادون ثراءً، بما يبدو معها أنّ المهنة لا تقدّم فرصًا حقيقيّةً للإثراء؟ هذا لأنّ الأمر، بشكل عامّ – وبعيدًا عن أيّة عاطفة أو فكرٍ آمل – صحيح، وهو يسمّى بـ"تأثير مَتّى" (The Matthew effect)، والتسمية تعود إلى عالم الاجتماع الأمريكي روبرت ميرتون Robert Merton (1910-2003) الذي كان أوّل من درس هذه الظاهرة علميًّا فأطلق عليها هذا الإسم، في إشارة إلى آية من الإنجيل وفق القديس مَتّى، تقول: "من كان معه يُعطى ويُزاد، ومن ليس معه يؤخذ منه حتّى كلّ ما في حوزته".]" (ص. 42-43).

5.      الثقافة

أ‌.         اللغة

"[ألكسندر هاملتون Alexander Hamilton (1755-1804) هو أحد واضعي الدستور الأمريكي، أوّل وزير لمالية الولايات المتحدة، ومؤسس البنك المركزي الأمريكي (صورته تظهر على العُملة الأمريكية من فئة 10 دولار) [كتابه "الأوراق الفيدرالية" The Federalist Papers (1788)]]" (ص. 46).

ب‌.     الصحافة

"للصحافة طبيعةٌ اختزاليّةٌ؛ فهي تبخّر ما يقع تحت يدها من أخبار، ثمّ تكثّفه، ثمّ تقتطِع منه، ثمّ تصيغه وفق ما يلائم مصالح ملاكها وتوجّهاتهم السياسيّة أو الإقتصاديّة، ثمّ تبسّطه بحيث تكون قراءة الموضوع مناسبةَ للسواد الأعظم من قرّائها، ثمّ تضع له عناوين عريضة تضخّ فيها الكثير من الإنفعالات (الأمر يذكّرني بما كان يُروى عن الصحافة الفرنسيّة إثر حقبة الحروب النابوليونيّة؛ فعندما هرب نابليون من منفاه في جزيرة ألبا Alba الإيطاليّة كتبت الصحف الفرنسيّة في عناوينها "الوحش يهرب من ألبا"، وعندما اقترب من فرنسا كتبت "نابليون يهرب إلى فرنسا"، ولكنّه عندما دخل فرنسا فعلاً كتبت "الإمبراطور يدخل البلاد"). لنتذكّر أنّ الصحافة صناعة بالنهاية، والصناعة يحرّكها هاجسَا المصلحة والتسويق دائمًا" (ص. 46).

" "ثمّة أيضًا من الأميّين الجدد جزئيًّا الذي يمكن رؤية أصحابه يحومون حول أكشاك بيع الصُّحف كنحلاتٍ طنّانةٍ تحوم حول زهرةٍ نضرةٍ، بحثًا عن المقادير التي ستصنع بها عسل حياتها الفكريّة. إنّهم لا يقرأون الكتب ولكنّهم مفتونون بتكاثر المجلاّت وبمواضيع أغلفتها. هؤلاء أهلٌ للشفقة لأنّهم بعيدًا عن إعفاء أنفسهم مشقّة العناء كقرّاء، فهُم في غاية السخاء والكرم جين يتعلّق الأمر بها. يقرأون الأعمالالضعيفة بشراهة، يعودون لمنازلهم محمّلين بالمجلاّت التي يحرثون فيها بعيونهم لساعات، دون أن يحصلوا بالنهاية على أكثر ممّا يحصل عليه طفلٌ يلهو بأحجية بانوراميّة لا يبدو أنّها ستنتهي، عاجزين عن رؤية الصورة الكبرى التي يبدو فيها كلّ شيءٍ في مكانه الصحيح... إنّ هذه المجموعة الجديدة تنمو ببطء، وقد حان الوفت لتسميتها ولإعطاء المنتمين لها وضعًا اجتماعيًّا. إنّهم الأميّون الجدد (the neo-illiterates)، وهُم على درجةٍ من التأثير والخطورة تتجاوز كثيرًا الأميّين أميّة بحتة، فهُم يرفضون البقاء في الدرك الأسفل مع الشيطان في ظلمات الجهل، إلاّ أنّهم لا يطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة المقدّس. إنّهم قادرون على كلّ شيء، ولا يجازفون بشيء... تعليم الناس كيف يقرأون ليس كافيًا في أغلب الأحيان لينتزعهم من فقرهم الروحي الأساسي أو، وكما قال ت. س. أليوت بأنّ "التعليم لا ينتج الثقافة إلاّ في أضيق الحدود"... إنّ هؤلاء الصّغار يبدأون حياتهم وهُم مسلَّحين بمهارات القراءة والكتابة الأولى فقط، واثقين من أنّهم قد تمكّنوا من السيطرة على جهلهم الأوّلي، ثمّ يفاجأون لاحقًا بأنّ غريمًا قويًّا ينتظرهم عند الزاوية. إنّ هذه القوى الشرّيرة سوف تجذبهم إليها فتُحوّلهم إلى مخلوقات بسيطة؛ أميّين جدد يعيشون راضيين في أمان الوعي المغيَّب، مستمتعين بملذّات الحياة الإستهلاكيّة التي يوفّرها العصر الحديث، ومع ذلك فهُم محكومون بحكمٍ مؤبّدٍ للعيش مدى الحياة في شكلٍ مختلفٍ من تخمة الجهل" [Pedro Salinas, ‘The New Illiterates’, reproduced in : The UNESCO Courier, no. 242, July 1990, pp. 42-45]" (ص. 48).

"[فؤاد زكريا، التفكير العلمي، ط. 3 (الكويت: ذات السلاسل، 1989)]" (ص. 49).

ت‌.     الكتب

"[ناجي نجيب، كتاب الأحزان (بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر، 1983)، ص. 204-204]" (ص. 50).

"[...] وينعكس ذلك على قوائم "الكتب الأكثر مبيعًا" التي هي في الغالب أقلّها قيمًا فكريّة. وأنا كثيرا ما أعطي هذه الكتب فرصة، ولكن قليلاً ما تخيب توقّعاتي بشأنها. بالنسبة لي الآن، صار مجرّد وجود الكتاب على رفّ "الكتب الأكثر مبيعًا" هو دلالة مبدئيّة على ضحالته، إلى أن يثبت العكس. في الحقيقية، تبدو لي الفلسفة القيمية للكتب المعروضة للبيع في المكتبات وكأنّها تعتمد هندسة المحور والقطر: محور المكتبة هو رفّ "الكتب الأكثر مبيعًا"، وقطرها مصمَّم بحيث إنّنا كلّما كنّا بقرب محور القطر أو مركزه كنّا في منطقة الكتب ذات القيم الفكريّة المتواضعة، وكلّما ابتعدنا عنه تجاه أطراف القطر ارتفعت القيم الفكريّة للكتب المعروضة. شخصيًّا، صارت لي عادة التوجّه التلقائي نحو أطراف المكتبات وجوانبها فور دخولي لها. لا دلالة موضوعيّة للتصدّر، حتّى في المكتبات" (ص. 50).

ث‌.     التلفزيون

ج‌.      الشبكات الاجتماعية

ح‌.      الفنّ

6.      السياسة

"ومن أهمّ الإنتقادات التي تُوَجَّهُ إلى الديمقراطيّة، باستمرار، والتي لا تخلو من صحّة، هو الخطر المتمثّل في ما يمكن أن تؤدّي إليه من طغيان الأغلبيّة على الأقليّة [كان أوّل من خرج بهذا المصطلح هو الدبلوماسي والمنظّر السياسي الفرنسي ألكسيس دو توكفيل Alexis de Tocqueville (1805-1859) في كتابه "الديمقراطيّة في أمريكا" De la démocratie en Amérique (1835)]. ذلك أنّ الدساتير ما وُضِعَتْ إلاّ لحفظ حقوق الأقليّة قبل الأغلبيّة [...]" (ص.54).

"إنّ أزمة العالم العربي هي أزمة مفاهيمية conceptual crisis بامتياز، وعن أزمة هذا الحديث المتعقّل في ظلّ الأوضاع السياسيّة العربيّة، كتب الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج: "في هذه الظروف التاريخيّة يتّخذ حديثٌ كهذا طابعًا غريبًا عجيبًا: شذوذُ الوقاحة، عزفٌ منفردٌ أشبه بالمرض النفسي، كلّ يومٍ ينقضي يُشعرني بأنّي أزدادُ أقلويّة؛ كنتُ واحدًا وأمسيتُ ربع واحد"" (ص. 56).

"[روبرت ميكيل Robert Michels، الأحزاب السياسية Political Parties، 1911، ص. 353-354 [القانون الحديدي للأوليجارشية The Iron Law of Oligarchy]" (ص. 56-57).

"[...] فما ألحظه هو انشغال الناس في منطقتنا بشيْئيْن بالدرجة الأولى، وهُما شؤون المشيعة والترفيه. في الأمر، حقيقة، ما يذكرني بثنائيّة "الخبز والألعاب" panem et circenses؛ هذه العبارة اللاتينية التي ذهبت مثلاً للتعبير عن نمط حياة الشعب الروماني في فترة الإنحطاط قبيل انهيار روما، عندما كان الرومان مأخوذين تمامًا بالمُتع الحسيّة من لذائذ وترف وطعام ("الخبز" panem) وبألعاب المجادلين الدمويّة في الملعب ("الألعاب" circenses)، والتي دخلت القاموس السياسي الحديث فصارت تُستخدم للدلالة على الأولويّات التافهة للسياسيّين المُضلّلين للشعوب، الذين يشغلون شعوبهم بالمطالبات الشعبويّة عوضًا عن وضع السياسات الحصيفة، فينجحون في إشغال الناس بشؤون المعاش من جهة (النزعة الإستهلاكيّة ونقاشات الأسعار والرسوم والرواتب والتموين والصحة والتأمين)، وبأنشطة الفرجة من جهة أخرى (الترفيه وكرة القدم)" (ص. 58).

     V.            الهدف النهائي: إسباغ التفاهة على كلّ شيء

"[الجاحظ، الحيوان، ج 6، ص. 10]" (ص.59).

1.      البهرجة والإبتذال

"[خورخي لويس بورخيس، سداسيّات بابل، ترجمة العربية حسن ناصر (بنغازي: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2013) ص. 78]" (ص. 61).

2.      المبالغة في التفاصيل

"[فريدريتش نيتشه، ديوان نيتشه، ترجمة محمد بن صالح (بغداد: دار الجمل، 2005)، ص. 142]" (ص. 62).

"[جول فيرن، حول العالم في ثمانين يومًا (دمشق: دار المدى للثقافة وتانشر، 2003]" (ص. 62).

"[جاك رانسيير، سياسة الأدب، ترجمة رضوان ظاظا (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2012)، ص. 89]" (ص. 62).

"[عبد السلام بنعبد العالي، "خداع"، مجلّة الدوحة (قطر)، العدد 53، مارس 2012، ص.76]" (ص. 62).

"[عبد الفتاح كيليظو، أنبئوني بالرؤيا، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي (بيروت: دار الآداب، 2011)، ص. 91]" (ص. 63).

"في الأمر – من حيث الإلتفات عمّا هو مهمّ وإسباغ الأهميّة على كلّ ما هو عرضيٌّ وغير مؤثّرٍ وتافه – ما يذكّر بشخصيّة الأمير أوبلونسكي Oblonsky في رواية الكاتب الروسي ليو تولستوي Leo Tolstoy الشهيرة "أنّا كارنينا" Anna Karenina، الذي كان شخصيّةً شغوفةً بالتفاصيل ("كيف طُبِخَت السمكة؟" "ما هي درجة حرارة الشّمبانيا؟"). إنّ وجهة نظره هي انّه "ما الغرض النهائي من الحضارة إلاّ تحويل كلّ شيءٍ إلى مصدرٍ للمتعة" فحسب، فلا شيء عدا ذلك مهمّ.

كما أنّ ثورستين فيبلين Thorstein Veblen (1857-1929)، عالم الاقتصاد والإجتماع الأمريكي، أوضح في كتابه الرائع "نظريّة الطبقة الغنيّة" The Theory of the Leisure Class أنّ النشاط الرئيس للطبقة الغنيّة هو "الإستهلاك المظهري" (conspicuous consumption). لذا، ينخرط كثير من أفراد هذه الطبقة في مساعٍ عبثيّة لا هدف من ورائها سوى إظهار فائض الوقت لديهم كدليل على عدم حاجتهم للعمل، كالتقعّر في تعلّم الّغات الميّتة (الإغريقيّة واللاتينيّة). وفي ذلك، تحضرني رواية "أنّت كارنينا" Anna Karenina، مرّة أخرى، وأتذكّر تحديدًا شخصيّة الموظّف البيروقراطي عالي الرتبة، الذي يطيل أظفاره ويعتني بها فقط كدلالة على عدم انخراطه في أيّ صورةٍ من صُوَر العمل اليدويّ. كما تحضرني أيضًا رواية بينجامين دزرائيلي "الدوق الشاب" The Young Duke، والتي كان بطلها يأكل العصافير ملفوفةً بأوراق البنكنوت.

وفي كتاب "رحلة في حجرة نومي" Voyage autour de ma chambre لزافييه دي ميستر Xavier de Maistre (1763-1852) مثال ثالث. ففيه يقوم الكاتب – وهو نبيل شاب كان حبيس حجرته – برحلة تستغرق أسبوعين في حجرة نومه وكأنّه يزورها لأوّل مرّة. مدقّقًا بكلّ ما هو اعتيادي ودارج إلى حدّ التوغّل في التفاصيل، يصل إلى استكشاف خباياها التافهة بعدسة منظوره الممتع. وهكذا، ومن خلال الحيز الصغير الداخلي، يحدّد العلامات البصريّة التي يمكن الإستدلال منها على السياق الأكبر الخارجي: المدينة/العالم.

إنّ كلّ ما تقدّم يذكّرنا بقلب نظام التفاهة والهمّ الأوّل للتافهين، وهو الإنشغال بالتفاصيل التافهة وإظهارها بمظهر الأهميّة. هنا، قد يسعفنا ما خرج به المفكّر الإغريقي Theophrastus من لفظٍ مفيدٍ هو microphilotimos، والذي يعني "إسباغ الأهميّة على الصغائر".

لنحفظ هذا اللفظ فيمفكّراتنا؛ سنحتاج إليه لفهم كثير من أوجه الخطاب المحيط بنا". (ص. 63-65).

  VI.            وأخيرًا...

"قد لا يصدّق أحدٌ ما أقوله، ولكنّني أؤكّد لذوي الرأي الحرّ، المخالف/المختلف، المُعلَن: إلى أن تنتهي هذه المرحلة، لا يوجد دعم، ايًّا ما كان وزنه، يمكنك أن يحميك من عذابات الحياة اليوميّة التي تتطلّب احتكاكًا – على مستوى التفاصيل – مع التافهين وضيّقي الأفق. كلّ اتّصال اجتماعي، كلّ اجتماع عمل، كلّ معاملة رسميّة، كلّ مشوار للسوق، بل وكلّ توقّف قصير في إشارة المرور، سوف يحمل معه تحدّيًا حقيقيًّا. أنتم فدائيّون" (ص. 66).

مشاعل عبد العزيز الهاجري

الكويت، 27 أكتوبر 2019

Mashael.alhajeri@ku.edu.kw

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire