jeudi 8 mai 2014

الصراع ينتقل من الشرق الأوسط إلى منطقة الباسفيك



أميركا ترغب في بناء قاعدة بجوار مصدر طاقة واعد في بحر قزوين تراهن عليه هي وحلفاؤها للتخلص من احتكار روسيا لمكان مصدر الطاقة الأهم لأوروبا.
لندن - ترصد عدة دراسات صدرت عن المعهد الملكي البريطاني “تشاتم هاوس"، التغييرات الطارئة على البنية الجيوسياسية في منطقة آسيا المحيط الهادئ وتداخل المصالح الدولية بها. حيث تعمل مختلف القوى على إعادة تحديد مكانتها في هذه البقعة التي تشكل امتدادا استراتيجيا لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة لواشنطن.
“القرن الـ21 سيكون للولايات المتحدة ومنطقة الباسيفيك”، خطة تحدثت عنها الكثير من الدراسات وكشفت عنها العديد من التقارير الاستخباراتية التابعة لمراكز البحث الاستراتيجية، واليوم تشير المتغيرات والتحرّكات الأميركية إلى أن هذه الخطّة دخلت طور التنفيذ على أرض الواقع.
وقد ربط بعض المحلّلين التوجّه الأميركي نحو منطقة آسيا بالتغيّرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، حيث النفوذ الأميركي الأوسع؛ إلا أن خبراء آخرون يرون عكس ذلك بل ويؤكّدون أن ما يجري من اضطرابات في الشرق الأوسط هي جزء من هذه الخطّة التي بدأت تتجسّد فعليا مع الغزو الأميركي لأفغانستان، وتدخل في إطار الحرب ضدّ الروس، الغريم التقليدي للأميركيين، والذي له سيطرة كبرى على مناطق كثيرة في منطقة وسط آسيا الغنية بالثروات. 
وترغب الولايات المتحدة في أن تبني قاعدة بجوار مصدر طاقة واعد في بحر قزوين تراهن عليه هي وحلفاؤها الأوروبيين للتخلص من احتكار روسيا لمكان مصدر الطاقة الأهم لأوروبا، من هنا لا تريد روسيا أن يستتب الأمر للأميركيين كما تريد أن تشعرهم أنها تحمل مفاتيح المنطقة وذات التأثير الأكبر بحكم 70 عاما من السيطرة ناهيك عن التأثير الثقافي لروسيا في هذه المناطق، حيث تنتشر اللغة والثقافة الروسية فيها لدرجة أنه من الممكن اعتبارها منافسا قويا للثقافة المحلية. 
لكن، إلى جانب الروس، برزت في السنوات الأخيرة قوى أخرى منافسة، ترى فيها الولايات المتّحدة الأميركية تهديدا لمصالحها، وأبرز هذه القوى الصين التي بدأت تنتزع الريادة الأميركية على مستوى التجارة العالمية. وقد كشفت العديد من الوثائق المسربة من مراكز الأمن القومي الأميركي أن مراكز القرار في واشنطن تعتبر الصين خصمها ومنافسها الأول في القرن الحادي والعشرين ويجب تطويقها لحماية المصالح الأميركية في منطقة آسيا وأيضا خارجها حيث بدأت الصين في التوسّع بشكل كبير، خاصة في أفريقيا.  
إن آسيا المحيط الهادئ مركز الثقل الجيوسياسي العالمي، وهي اتجاه التقدم بالنسبة إلى الصين، كما أنها المصدر الأساسي للتهديدات الخارجية. وهذه المنطقة تشهد الآن تغيرات هي الأعمق منذ الحرب العالمية الثانية. ولا شك بأن آسيا المحيط الهادئ ستصبح مركز الثقل الإستراتيجي العالمي بالنسبة إلى الصين. وفي ظل الفترة الانتقالية لتغيير البنية القديمة بالجديدة، فإن عوامل عدم اليقين والمرونة تبقى متواجدة جنبا إلى جنب.
آسيا المحيط الهادئ هي ساحة الحرب الجيوسياسية الرئيسية التي تعول عليها واشنطن في خنق واحتواء الصين. لذلك، فإن واشنطن الآن تسعى وبكل قواها إلى خلق وضع جيوسياسي لحرب باردة جديدة. وإلى جانب تعزيز تحالفاتها العسكرية القديمة، أظهرت هذه الجهود الأميركية خصائص جديدة.
أولا، العمل على تكوين جبهة موحدة ضد الصين، ويتجسد ذلك من خلال تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية وخاصة العسكرية مع فيتنام، وتحسين شامل لعلاقاتها مع مينمار، وكسر الجليد الذي ظل بينها وبين لاوس لزمن طويل.
ثانيا، تكوين بنية إستراتيجية على شكل شبكة عنكبوتية يكون مركزها أميركا.
ثالثا، تعزيز انتشارها العسكري وتدعيم عمقها الإستراتيجي. مثلا، تحفيز اليابان على تطوير قدراتها العسكرية، ونشر سفن حربية بسنغافورة، والعودة إلى القاعدة العسكرية لبحر سوبيكهاي بالفلبين. وتعزيز انتشارها على حدود شرق آسيا.
رابعا، ممارسة التمايز الاقتصادي، عبر الدعوة إلى شراكة استراتيجية عابرة للمحيط الهادئ (TPP) تقصى منها الصين.
قرن المحيط الهادئ
كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلنتون أول من قالت: “مثلما كان القرن العشرون هو قرن المحيط الأطلسي، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن المحيط الهادئ، بالنسبة إلى الولايات المتحدة”، وذلك سنة 2011، وقد صاحب ذلك تحول استراتيجي أميركي واضح باتجاه آسيا والشرق الأدنى من خلال شراكات أميركية آسيوية جديدة، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام حول النتائج المترتبة على هذا التحول الاستراتيجي، وتأثير ذلك على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
الدراسة الصادرة عن المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية، “تشاتم هاوس"، سلّطت الضوء على هذه الاستفهامات وبحثت عن الإجابات من خلال التغييرات التي يشهدها العالم اليوم، لاسيما منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا وكثير من الدول المنفصلة عن الاتحاد السوفياتي.
لا تنكر الدراسة أن دور الولايات المتحدة في العالم يشهد تغيرا، ويرجع ذلك في جزء منه إلى عوامل داخلية مثل تنامي القيود الاقتصادية والرغبة في بناء البلد داخليا وملل عامة الناس من الحرب. لكن ربما السبب الأعمق يتمثل في التغيرات التي طرأت على السياق الدولي الأشمل وأنواع التحديات الخارجية التي تواجه البلد. 
إن نطاق الآليات في وضع السياسات المطلوبة للرد على تهديدات إقليمية وعالمية تزداد تعقيدا ما انفك هو الآخر يتنوع. وفي الوقت نفسه، وفي تضاد مع رؤية صعود الاقتصاديات البارزة الجديدة (مثل الصين والهند والبرازيل)، يُنظر إلى الولايات المتحدة – في كثير من أنحاء العالم بما في ذلك آسيا – على أن قوتها وأداؤها في تقهقر.
لقد حافظت الولايات المتحدة لمدة طويلة على زعامتها في منطقة آسيا الباسفيك، وأوضح الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة تنوي بكل إصرار مواصلة دورها القيادي في هذا الطرف من العالم بإعلانه في شهر نوفمبر 2011 عن “تحول” سياستها الخارجية إلى التركيز على آسيا. لكن يبقى من غير الواضح كيفية نظر حلفاء أميركا في منطقة آسيا الباسفيك لتغير مصالحهم الأمنية، وبناء على ذلك، كيف يرون مكان أميركا في هذا الاطار الأّمني الجديد. يتحتم الآن أن نفهم جيّدا طلب الأمن (من قبل آسيا) والعرض (من قبل الولايات المتحدة) من أجل تحقيق وضع راهن جديد يلبي حاجيات كل الأطراف المعنية . 
 بحر قزوين.. تنافس دولي في وسط آسيا
تعد منطقة بحر قزوين، أحد أغنى مناطق العالم بالنفط، وهي أساس الصراع بين الــقوى الكبرى لــفرض السيطرة علــى منــطقة الباسفيــك.
وبحر قزوين هو بحر مغلق يقع في غرب آسيا على مساحة تبلغ 371 ألف كيلو متر مربع وهو أكبر بحر مغلق في العالم.
يبلغ طول بحر قزوين 1.200 كيلو متر بعرض يصل إلى 300 كيلو متر، ويبلغ أقصى عمق لبحر قزوين 1023 مترا، وتطل على بحر قزوين خمس دول هي روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان.
في سنة 2012 نشرت “تشاتم هاوس" تقريرا يحمل عنوان “هل مستعدون للتهديدات المستقبلية؟ الشراكات الدفاعية الأميركية في منطقة آسيا الباسفيك”. تناول هذا التقرير مسألة ما إذا كان للولايات المتحدة العلاقات الضرورية في المنطقة للتعامل مع التحديات المستقبلية.
أما هذه الدراسة التي صدرت في شهر أبريل 2014، فتهتم بستة حلفاء أو شركاء للولايات المتحدة الأميركية في آسيا (أستراليا والهند وأندونيسيا واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية) وتتساءل عن نظرة الحلفاء لمصالحهم الأمنية والتهديدات القادمة وبالتالي كيفية معالجتها عبر قدرات وطنية ومجموعات إقليمية أو متعددة الأطراف، وعن الدور الذي يقترحه ذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
وتتلخص أهم النتائج التي توصّل إليها معدو الدراسة في ما يلي:
◄ البلدان الآسيوية الستة المتناولة في هذا التقرير لديها تقييم متشابه عموما لنطاق التهديدات المتوقعة لأمنها. وتشمل هذه التهديدات تلك التقليدية منها (الصراع مع الصين، انهيار كوريا الشمالية أو قيامها بهجوم، الإرهاب وأعمال التمرد) وتلك غير التقليدية (محدودية الموارد الطبيعية مثل الغذاء والماء والنفط والغاز، الهجومات على شبكة الإنترنت أو على الأقمار الصناعية العسكرية والاتصالية والأخطار الاقتصادية). مع ذلك هناك اختلافات واضحة بين هذه البلدان فيما يخص حجم هذه التهديدات وطبيعتها وكيفية ترتيبها من حيث الأولوية في كل بلد على حدة.
◄ المؤسسات الآسيوية الحالية (جمعية أمم آسيا الجنوبية الشرقية، قمة شرق آسيا، التعاون الاقتصادي بآسيا الباسفيك وغيرها) تم تصميمها بالأساس كمواقع للتحاور، وفي الغالب لا يُظهر الأعضاء الآسيويون فيها أية رغبة في منظمات أكثر نشاطا أو متجهة نحو العمل. في الواقع يتبنى الزعماء الآسيويون بشدة الأدوار والوظائف المحدودة الحالية لهذه الكيانات، أما الدول الغربية فكثيرا ما تعبر عن الأمل في نتائج ملموسة أكثر.
◄ النظرة لدور واشنطن في العالم تتغير سواء في داخل البلاد أو خارجها. وبالرغم من إعلان أوباما عن تحول سياسته الاستراتيجية نحو التركيز على آسيا، تتناقص ثقة أصدقاء أميركا وحلفاؤها في الموقع الذي ستشغله في المنطقة إذ أن الكثير من الحلفاء والشركاء الإقليميين ينظرون إليها على أنها أصبحت شريكا لا يعتمد عليه كثيرا (بالرغم من أنه مازال يعول عليه أكثر بكثير من شركاء آخرين مثل الصين). 
ن كل شريك من شركاء الولايات المتحدة يرغب في رؤية دور مختلف وقليل لها في المنطقة ومن ثم لا يوجد موقف مجمع عليه بينهم حول هذه النقطة بالذات.
التحالفات بين دول الباسفيك
دول آسيا الباسفيك هي بصدد بناء تحالفاتها وشراكاتها غير الرسمية مع بعضها البعض ومع دول أخرى. ومن المتوقع أن يصمد عدد وعمق هذه العلاقات غير الرسمية وستلعب دورا مهما في الحفاظ على الاستقرار بالمنطقة.
عندما تكون هذه العلاقات بين بلدان لها مصالح متشابهة (كما هو الشأن بين الولايات المتحدة واليابان والهند) يمكن أن تصبح هذه المجموعات متعددة الأطراف في النهاية المحفز لتجمعات أكثر رسمية مركزة على مسائل معينة (مثل مكافحة القرصنة والإرهاب).
أما عندما تربط هذه العلاقات دولا أقل تناغما (كما هو الحال بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية)، فهي مجموعات مفيدة لمناقشة مسائل حساسة وبناء الثقة. وبالرغم من أن انتشار التحالفات الرسمية التي لا تكاد تملك أية سلطة عملياتية أصبح عرضة للكثير من الانتقاد في الغرب تكوّن هذه التحالفات شبكة متوسعة لها دور مهم في حفظ السلام بالمنطقة. فبقيامها بوظيفتها التقليدية كمساحة حوار لمناقشة المسائل الحساسة تخلق “أسفنجة” لامتصاص وربما إدارة التوترات الاقليمية. إضافة إلى كل ذلك وفي ظل زيادة بروز التهديدات الطبيعية (نظرا لطبيعتها المتميزة بخلوها من الحساسية) يمكن أن تجد هذه المجموعات دورا أكثر حيوية في معالجة التحديات الناجمة.
الخلافات في المنطقة معقدة جدا، والفرص والتحديات توجد جنبا إلى جنب وآسيا المحيط الهادئ ليست المنطقة الوحيدة التي تضعها أميركا على رأس سلم أولوياتها الإستراتيجية. بل إن الأوضاع في أوروبا والشرق الأوسط، وآسيا، لا يمكن الاستغناء عن واحدة منها بالنسبة إلى الولايات المتحدة. 
لذلك تخلص الدراسة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل لعب دور محوري في المنطقة لفترة زمنية أخرى لكن ليس في موقع الفاعل الأساسي على الدوام فهي ستسعى -في آسيا كما في بقية أنحاء العالم- إلى تقاسم عبء القيادة. وفي السنوات الخمس عشرة القادمة قد يكون على الآسيويين التعود على وضعية توصل الأوروبيين إلى اتفاق حولها منذ زمن وجيز، تتمثل في ولايات متحدة تعتبر فاعلا إقليميا مهمّا، لكنه ليس دائما ميناء النجدة الأول أو الأساسي لضمان الأمن.
العرب  [نُشر في 08/05/2014، العدد: 9552، ص(6)]

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire