jeudi 5 décembre 2013

احذروا استفاقة المارد

شبّه البعض الشارع التونسي بالبركان الخامد، الغارق في "سباته العميق" و الّذي قد يمتدّ لحقب طويلة، فيُشعر حكّام بلاده على مرّ التّاريخ بالأمان و الإطمئنان وبدوام العزّ والسلطان، وباستحالة انهيار الملك والبنيان. لكنّه على حين غُرّة ينتفض، ويباغت الجائرين، ومن هم في إيذائه مسرفون.
ألم ينفجر هذا الشّارع فيما مضى بوجه ماك البلاد 'محمد الصادق باي' إحتجاجا على أوضاعه الإجتماعيّة المزرية؟ ألم يشعل 'علي بن غذاهم' الملقّب ب"باي الشعب" أعماق تونس وهو ما اضطرّ "ساكن باردو" يومها إلى تعليق العمل بدستور 1861 والدخول في حرب طويلة أرّقت المضاجع وكانت إيذانا بقرب انهيار الدولة، ونذير شؤم بقرب استعمارها من القوى الإمبرياليّة الغاشمة؟
ألم يعلن هذا الشارع الّذي التحم بقيادته السياسيّة أيّام الكفاح ضدّ الإستعمار الثورة المسلّحة على الفرنسيّين قبل جيرانه المغاربيّين؟ وذلك على إثر رسالة 'روبرت شومان' وزير الخارجيّة الفرنسي الأسبق الشهيرة، والّتي أوقفت على إثرها فرنسا مفاوضات الإستقلال الّتي كانت جارية مع التّونسيّين في باريس، وتمّت على إثرها أيضا إقالة المقيم العام الفرنسي 'لويس بيريلياي' و تعويضه ب'جون دي هوتكلوك' الّذي جاء على متن بارجة بحريّة متوعّدا التونسيّين بالويل والثبور. فتمّ اعتقال 'الحبيب بورقيبة' و 'المنجي سليم' ونفيهما إلى طبرقة وأُقيلت حكومة 'امحمّد شنيق' وأُبعد وزراؤها إلى جنوب البلاد. ألم يفاجئ التّونسيّون يومها الجميع ممّن اعتقدوا أنّنا على درب المفاوضات سائرون وأنّنا عن العمل المسلّح أبعد ما نكون؟ و من هؤلاء الناضل الجزائري الكبير 'مصالي الحاج' وآخرون ممّن اختلفوا في وقت ما مع الخطّ البورقيبي.
ألم ينتفض هذا الشارع "كرّتين" متحدّيا صقيع شتاءين، من سنتي 1978 و 1984 على رئيسه الّذي لم يشفع له كفاحه من أجل الإستقلال ولا جهده الحثيث في بناء الدولة الحديثة ليحول دونه والغضب الجماهيري على سياساته أواخر عهده؟ ألم يجدّد الشارع العهد مع الثورات، منذ سنين معدودات، وأسقط ما اعتبرها حكّام اليوم "واحدة من أعتى الديكتاتوريّات"؟ فما بال هؤلاء القوم لا يعقلون، و عن أخذ الدروس و العبر من التاريخ منصرفون؟
لقد تمرّد الشارع على 'بورقيبة' الّذي قدّم لتونس الكثير من التضحيات، وعرّض نفسه في سبيل استقلالها ومناعتها للخطوب والنكبات، فما بالك بمن عجز عن إدارة شؤون البلاد، وباع الأوهام وكلّيّة الطب المزعومة للعباد؟ ومن وجد الوقت الكافي لتصفية الحساب، مع الصحفيّين و الكتّاب، ممّن لم ينخرطوا في التسبيح بحمد النهضة والمؤتمر وشتّى الإخوة والأحباب؟
إنّ الهبّات الشعبيّة الّتي شهدتها مؤخّرا بعض المدن الدّاخليّة، هي دليل قاطع على أنّ الشارع التونسي قد تجاوز الحوار الوطني و رعاته والنخبة السياسيّة برمّتها موالاة ومعارضة. هو جرس إنذار دقّ مؤذنا باقتراب خطر سيحدق بالجميع. فالمعاناة الإجتماعيّة بلغت ذروتها، وشظف العيش لم يعد يقتصر على الجهات الداخليّة، فحتّى المدن الساحليّة كما عاصمة البلاد يعاني أهلها الأمريّن في سبيل تحصيل لقمة العيش بعد استهداف الطبقة الوسطى من قبل حكام البلاد الجدد.
فأسعار التزوّد بالماء والكهرباء ارتفعت بالمقارنة مع ما كان عليه الحال زمن حكم 'بن علي'، وكذا الإتصالات والنقل والبنزين. فسعر فاتورة كهرباء بات يعادل بطاقة ركوب طائرة أو راتبا شهريّا لموظّف من الطبقة الوسطى بحسب تصنيف السيد وزير الماليّة. أمّا عن الموادّ الغذائيّة فحدّث ولا حرج، فأسعارها التهبت واحترقت معها الأجساد الكادحة. إنّه حكم عاجز بكلّ المقاييس لا حلول لديه ولا برامج غير استهداف القدرة الشرائيّة للمواطن التونسي محدود الدخل.
لقد ازدادت في "عهدهم السعيد" أعداد التونسيّين والتونسيّات في مصحّات الأمراض العقليّة  وفقا لإحصاءات رسميّة، كما تشهد المحاكم التونسيّة ارتفاعا مهولا في القضايا الّتي يعجز المطلوبون فيها عن سداد ما تخلّد بذمّتهم الماليّة من ديون. وفي خضمّ هذه الأوضاع السيّئة يخرج السيّد وزير الماليّة ضاحكا على الذقون ليتحدّث عن طبقة وسطى دخل الفرد فيها 400 دينار شهري"ا في وقت بات فيه من يصل دخله الألف دينار عاجزا عن الإنفاق على عائلة صغيرة العدد فما بالك بمن هم دون ذلك. وفي خضمّ هذه الأوضاع السيّئة أيضا يجد ساكن قرطاج - مجرّد الصلاحيّات - كلّ الوقت لتأليف الكتب وتصفية الحسابات مع الإعلاميّين بالإستعانة بمن انخرطوا في تمجيد أحد أصهار 'بن علي' بشهادة زملاء له عملوا في مؤسّسة إعلاميّة كانت على ملك هذا الصهر الّذي لم يتوان أيضا كبير القوم وشيخهم الجليل عن مدحه فيما مضى من منفاه اللندني.
إنّ الشارع التونسي الّذي شبّهه البعض أيضا بالمارد، والّذي عزفت أغلبيّته الصامتة عن المشاركة في الإنتخابات السابقة، قد خرج بعد من قمقمه وبدا أنّه غير مهتمّ بالحوار الوطني الّذي طال أمد انطلاقه. وعلى الجميع أن يحذر من هبّته لأنّ المارد إذا هاج وماج زعزع الجبال والأودية والفجاج.
                                                                                                                                                ماجد البرهومي
                                                                                                                                           المغرب، العدد 695
                                                                                                                        الأربعاء 4 ديسمبر 2013، ص. 9

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire