vendredi 31 octobre 2014

ميخائيل نعيمة - نهضة الشرق العربي وموقفه إزاء المدنيّة الغربيّة

كتب "ميخائيل نعيمة" هذه التساؤلات سنة 1966 ومازالت نفس الأسئلة  المطروحة بعد كلّ هذه السنوات، السؤال الّذي يمكن أن نطرحه: لماذا لم نستطع الخروج من أزمتنا نحن العرب ؟
  1. هل تعتقدون أنّ نهضة الأقطار العربيّة قائمة على أساس وطيد يضمن البقاء أم هي فوران وقتي لا يلبث أن يخمد ؟
  2. هل تعتقدون بإمكان تضامن هذه الأقطار وتآلفها، ومتى وبأيّ العوامل وما شأن اللغة قي ذلك ؟
  3. هل ينبغي لأهل الأقطار العربيّة إقتباس عناصر المدنيّة الغربيّة وبأيّ قدر وعند أيّ حدّ يجب أن يقف هذا الإقتباس ؟
لقد كثرت "نهضاتنا" في هذه الأيّام وتعدّدت "حركاتنا" حتّى لا أستمع إلاّ بالناهضين ولا ترى إلاّ القائمين بحركة ما، فهناك الحركة الوطنيّة والجنسيّة والسياسيّة. وهناك النهضة الأدبيّة والتهذيبيّة والإقتصاديّة. وكدت أنسى النسائيّة وكثيرا ما سألت نفسي ماذا عسانا نعني بقولنا "نهضة". أنقصد أنّنا كتّا غافلين فاستفقنا، أم مستلقين على ظهورنا فانتصبنا، أم سائرين في مؤخّرة موكب الحياة فأصبحنا في منتصفه أو مقدّمته؟ وكيف لنا، كلّما خطونا خطوة أن نعرف هل خطونا إلى الأمام، أم إلى الوراء، أم بقينا حيث كنّا؟
قد يحسب البعض مثل هذه الأسئلة ضربا من البداهة أو البلادة، غير أنّني أسألهم بكلّ احترام أن يطلعوني على المقياس الّذي يقيسون به "التّقدّم" لأطلعهم على رأيي في "نهضاتهم".
إنّ مسافرا خرج من بيته قاصدا محطذة القطار فوصلها يعرف أنّه قد "تقدّم" في رحلته ذراعا أو فرسخا. فكيف لأمّة أن تعرف أنّها "تقدّمت" في سيرها؟ هل يتمّ لها ذلك إذا انتقلت من حكم أجنبيّ إلى وطنيّ؟ أو من ملكيّ إلى جمهوريّ؟ أو إذا كانت لها مدرسة واحدة فأصبحت لها مدارس؟ أو معمل فغدت وعندها ألف معمل؟ أو طيّارة أو قطعة بحريّة صغيرة فأصبحت وعندها طيّارات وأساطيل لا تقهر؟ وبعبارة أخرى - هل إذا بلغت الأقطار العربيّة يوما شأن الولايات المتّحدة أو انقلترا أو فرنسا أو اليابان تحسب انّها "تقدّمت"؟
إذا كان لما تعوّدنا أن ندعوه "رقيّا" أو "تقدّما" من معنى فمعناه يجب أن يقاس بالسعادة الناتجة عنه. ولا مقياس للسعادة في نظري إلاّ واحد، وهو مقدار التغلّب على الخوف بكلّ أنواعه، خوف الموت وخوف الجوع والألم والفاقة والعبوديّة وكلّ ما هنالك من ضروب الخوف. لأنّ التغلّب على الخوف يولد تلك الطمأنينة الروحيّة الّتي لا سعادة إلاّ بها. فإذا كانت المدنيّة الغربيّة، كما نعرفها، تساعد على استئصال الخوف أكثر من المدنيّة الشرقيّة فهي حَرِيَّةٌ بالحفظ والتقليد، وحَرِيٌّ إذ ذاك بالشرق أن يتبنّى من الغرب برلماناته ومعاهده العلميّة والمدنيّة وأن يتزيّأ  بأزيائه الأدبيّة وأن لا يقف في تقليده عند حدّ.
فلنقف هنيهة ولنقابل بين المدنيّتين لنرى هل المدنيّة الغربيّة حَرِيَّةٌ بأن تتّخذها الأقطار العربيّة قِبلة لها؟
عندما أسأل نفسي عن الفرق بين الشرق والغرب أراه منحصرا في نقطة جوهريّة واحدة. وهي أنّ الشرق يستسلم لقوّة أكبر منه فلا يحاربها والغرب يعتدّ بقوّته ويحارب بها كلّ قوّة.
الشرق يرى الخليقة كاملة لأنّها صنع الإلاه الكامل. والغرب يرى فيها كثيرا من النقص ويسعى "لتحسينها".
الشرق يقول مع محمّد :"قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا" ويصلّي مع عيسى :"لتكن مشيئتك" ومع بوذا يجرّد نفسه من كلّ شهواتها. ومع لاوتسو يترفّع عن كلّ الأرضيّات ليتّحد بروحه مع "الطاو" أو الروح الكبرى. أمّا الغرب فيقول :"فلتكن مشيئتي" وإذا يخفق في مسعاه يعود إليه ثانية وثالثة ويبقى يعلّل نفسه بالفوز. وعندما يدركه الموت يوصي بمطامحه لذرّيّته. الشرق توهّم مرّة أنّ في إمكانه الوصول إلى عرش ربّه، فبنى برج بابل. وإذ هبط برجه أقرّ بضعفه وجبروت خالقه وسلّم. أمّا الغرب فيبني كلّ يوم برجا، وكلّ يوم يهبط برجه، فيعود إلى ترميمه مصمّما على إدراك كنه الوجود من تلقاء نفسه.
الشرق يقول :"ولا غالب إلاّ الله". أمّا الغرب فيقول :"ولا غالب إلاّ أنا".
إنّ ادّعاء الغرب بقوّته واستسلام الشرق لقوّة أكبر منه هما الحدّ الفاصل بينهما. وعندي أنّ في إقرار الشرق بضعفه تجاه قوى الموت والحياة غلبة له.وفي مكابرة الغرب إزاء قوى الموت والحياة إنخذاله وانحداره. فما الغرب محاولا إصلاح الخليقة وفهم أسرارها إلاّ كسمكة في بحر تُحاول "تحسينه" والوقوف على مكنوناته.
إنّ ما أدركه الشرق منذ أجيال بإيمانه واختباراته الروحيّة يحاول الغرب اليوم أن يتوصّل إليه بمكروسكوبه وتلسكوبه. ومن العبر أنّه كلّما تعمّق في لدرسه عاد إلى الشرق ونفض عن بعض تعاليمه غبار الدّهور وصقلها ثمّ عرضها على إخوانه كأنذها حقائق جديدة. فهو يُنقِّب في هذه الأيّام عن فلسفات الصّين والهند واليهود والعرب والعجم ليجد فيها مفاتيح لِما أُقْفِلَ  في وجهه من أسرار الوجود وعبثًا جرّب أن يفتحه ببراهينه وتعاليمه.
نهضة الشرق العربي وموقفه إزاء المدنيّة الغربيّة،
جواب على استفتاء الهلال،
المغرب، العدد 86، السبت 03 ديسمبر 2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire