lundi 13 mai 2013

لماذا غيّرت واشنطن موقفها من الأزمة السوريّة ؟

دفعت التطوّرات الأخيرة الّتي شهدتها منطقة الشرق الأوسط واشنطن إلى تغيير موقفها من الأحداث الدائرة في سوريا عبر الموافقة على الشروط الّتي وضعتها موسكو من أجل إنهاء الصراع الدمويّ في بلاد الأمويّين. وساهمت الغارات الإسرائيليّة الأخيرة على سوريا في تسريع وتيرة المباحثات الروسيّة الأمريكيّة بشأن الأزمة المستفحلة.
ولعلّ الأمر الّذي شكّل مفاجأة للبعض، هو ما بدا إبعادا لأيّ دور قطريّ في المباحثات الجارية لصالح الدور السعوديّ، بعد أن تردّدت معلومات تفيد بأنّ الدوحة أبلغت الأمين العام للإئتلاف المعارض 'مصطفى صبّاغ' بأنّ ملفّ القضيّة السوريّة أصبح في يد السعوديّة بحسب ما ذكرت بغض المصادر الإعلاميّة. والمعلوم أنّ الدوحة تعدّ من أكثر الأطراف تشدّدا باتّجاه الدفع نحو التدخّل العسكريّ لإنهاء حكم 'بشّار الأسد'. لذلك لم يكن صدفة إبعادها تدريجيّا عن الملفّ السوريّ في ظلّ تعديل الإستراتيجيّة الأمريكيّة وميلها نحو الحلّ السياسيّ، الأمر الّذي يتطلّب فاعلين جددا أكثر لينا في التعاطي مع هذا الملف، بما يؤمّن مصالح واشنطن  وحلفائها الإسرائليّين.
وفي خضمّ كل ّ التغيّرات المتسارعة في المشهد السوري يبدو التّأثير الإسرائيليّ واضحا في مستوى التعديل الّذي طرأ على الموقف الأمريكيّ، وذلك مع تصاعد الخشية لدى حكّام 'تل أبيب' من خطر الحركات الجهاديّة المتطرّفة وسيطرتها على الأوضاع في سوريا. فهناك طعر حقيقيّ تعيشه الدولة العبريّة من انتشار الجماعات المتطرّفة الّتي تقاتل إلى جانب الجيش الحرّ ضدّ الأسد على غرار 'جبهة النّصرة'، الأمر الّذي يعدّ تهديدا مباشرا للأمن الإسرائيلي. وفي هذا السّياق يرى العديد من المحلّلين أنّ هذه الحركات الّتي تتبع نهج تنظيم القاعدة لا يمكن السيطرة عليها أو إخضاعها للرّؤية الأمريكيّة، بعكس الحركات الإسلاميّة الأخرى على غرار تنظيم الإخوان الّذي أثبت بحسب بعض المراقبين إستعدادا كلّيّا للتّعامل مع ما تستدعيه المطالب الأمريكيّة.
لا شكّ أنّ النّظام السوريّ أظهر شجاعة غير اعتياديّة في تحريك الأوراق الصّعبة وأجاد لعبة الضغط من أجل الصمود في الحكم، وتمكّن وعلى مدى أكثر من أربعين عاما منذ حكم الأسد الأب من إنشاء شبكة علاقات إستراتيجيّة، ودخل في تحالف مع القوى المؤثّرة في العالم وفي مقدّمتها روسيا. إذ لم تقتصر علاقاته بالدبّ الروسي فقط على المبادلات التّجاريّة بل تجاوزتها إلى إنشاء قواعد عسكريّة وبحريّة جعلت موسكو تصارع دون كلل من أجل حماية هذا النّظام مهما كلّفها الثمن. إضافة إلى ذلك، فإنّ بشّار الأسد نجح أيضا في اللّعب على وتر التّخويف من انتشار عناصر القاعدة في بلاده، وأقنع الغرب والإدارة البيضاويّة بشكل غير مباشر أنّ بديله سيكون الأسوأ وسيتمثّل في هذه الحركات المتطرّفة الّتي تقضّ مضاجع 'تل أبيب' وتهدّد بتحويا المنطقة إلى 'طورا بورا' جديدة. ويرى البعض أنّ الأسد برهن على أنّه العدوّ الألطف لإسرائيل فقد حافظ على جبهة الجولان هادئة على مدى أربعين عاما، دون إطلاق رصاصة واحدة، وحتّى في خضمّ الغارة الإسرائيليّة على بلاده فإنّه لم يسارع إلى أيّ ردّ فعل عسكريّ مكتفيا بالتّلويح بفتح جبهة الجولان أمام الجماعات الجهاديّة لتقاتل الدولة العبريّة.
وهذا ما جعل أمريكا تبرم الصفقة مع الجانب الروسيّ حتّى لو اقتضى الأمر إبقاء الأسد في المشهد السياسيّ الإنتقاليّ، مع الضغط عليه من أجل القيام بإصلاحات سياسيّة تسكت المعارضة السوريّة الّتي تحلم بالديمقراطيّة في زمن الربيع العربيّ.
ومثلما دفعت علاقات واشنطن بدول الخليج إلى غضّ النظر عمّا يحصل في البحرين من حراك شعبيّ و سياسيّ يطالب بمزيد من الديمقراطيّة، فإنّ مصالحها المهدّدة في المنطقة تدفعها أيضا إلى تعديل استراتيجيّتها الّتي قد لا تلقى استحسان المعارضة لبسوريّة الّتي فشلت في التّوحّد تحت جناح سياسيّ واحد، لكنّ الأكيد أنّها تؤمّن إلى حدّ ما رضا 'تل أبيب' وتحافظ على أمنها القوميّ.
روعة قاسم
المغرب، العدد 523،
الأحد 12 ماي 2013، ص. 16

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire