jeudi 4 avril 2013

كان قيام الثورة إيذانا بأنّ عهد الخيانة و قهر الشعوب وتبديد ثرواتها و جعل مقاديرها بِيد "شلّة" أو "جونتا" أو "مافيا" من المنتفعين و العملاء، وأنّ إبقاء الجماهير مستغَلّة مستسلمة مستخذية قد انتهى. ولكنّ هذه الثورة لن تستطيع تحقيق أهدافها ما لم تقم بجانبها ثورة أخرى تعمل لتحرير الجماهير من القوى الّتي تتمسّح بالدّين والّتي تتملّك وجدان الشعب، والّتي اتّسمت باتّجاهات مغرقة في الرجعيّة و التخلّف.
كان المطلوب هو إعادة تأسيس و فهم منظومة المعرفة الإسلاميّة، ولم يكن كافيا أيّ إصلاح جزئيّ أو ترقيع في الفكر السّائد، أو تجاهل لحضارة العصر، و هذا ما جاءت به دعوة الإحياء الإسلاميّ وما يمكن أن نجمله في :
1- الإنسان المستخلف هو الغاية الّتي جاء لها الإسلام، فالإنسان هو الغاية، والإسلام هو الوسيلة.
2- المساواة في الحقوق والواجبات بين الناس جميعا، وبلا استثناء هي أساس مجتمع الإنسان المستخلف.
3- العقل، وما ينشأ عنه من علم ومعرفة هو ما يميّز الإنسان وما جعل الملائكة تسجد له، ولهذا فإنّ العقل أساس النظر الدينيّ، ولا شيء يستعصى عليه سوى ذات الله وطبيعته والعالم الآخر، ويستتبع هذا إشاعة العلم والمعرفة في المجتمع.
4- العودة إلى القرآن الكريم واعتباره كتاب هداية وعدم الإلتزام ضرورة بكلّ التفاسير وكلّ ما جاء به المفسّرون من نسخ أو أسباب نزول. إنّ الصياغة القرآنيّة فيها قوّة الهداية والقرآن يؤتى أثره بالنطباع. لقد كانت التّفاسير إفتياتا على القرآن وتقوّلا عليه بما لم يقل. ولهذا لم يستفد المسلمون من القرآن، وهو روح الإسلام و أداة التحرير والثوريّة فيه، وكانت هذه التفاسير في الحقيقة من أسباب تأخّر المسلمين.
5- السنّة يجب أن تُضبَط بضوابط القرآن، وليس لها تأبيد القرآن، وهذه القضيّة من أكبر قضايا الفكر الإسلاميّ، لأنّ السنّة كانت الباب الّذي دخل منه أعداء الإسلام وتمكّنوا من وضع الألوف من الأحاديث الّتي تطعن في القرآن و تُشوّه العقيدة، بل وتُشوّه صورة الرسول. وانطلى هذا كلّه على المحدثين الّذين حرصوا على تجميع الأحاديث والروايات، واعتبروا أنّ الإسناد دليل صحّة، في حين أنّه كان وسيلة الدّسّ الّتي مرّر بها الوضّاعون أحاديثهم، وليس من المبالغة أنّ بعض المحدثين توصّلوا إلى "إرهاب" النّاس وفرضوا السنّة على القرآن وفضّلوها عليه.
6- إعتبار "الحكمة" أصلاً من أصول الإسلام، لأنّ القرآن قَرَنَها بالكتاب وقال "وَ نُعَلِّمُهُمْ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ"، والحكمة هي كلّ ما انتهت إليه البشريّة من أحكام ومبادئ وأصول ثبتت صلاحيّتها على مرّ الأجيال، وليست هي بالطبع السّنّة، كما ذهب إليه الشافعي.
7- إعتبار الزكاة فريضة مقدّسة كالصلاة وتنظيمها بحيث تؤدّي دور"الضمان الإجتماعيّ والتّأمين"؛ إنّ الفقهاء لا يزالون يعالجون الزكاة بالدرهم من الذهب والفضّة، ولا يزالون يتساءلون عمّا إذا كانت تفرض على غير الإبل والشياه و النخيل، وكيف تُوزًّع... إنّ المفروض أن نتعامل معها بطريقة العصر، فهي تُفرَض على كلّ الثروات والأموال الّتي تزيد عن حدّ معيّن. ويمكن أن تقوم الدولة به عن طريق جهاز مستقلّ عن ميزانيّة الدولة لدرجة أنّ القائمين عليه لا يتقاضون أجورهم من الدولة، ولكن يأخذونها من الزكاة نفسها، وتصرف منها على محدودي الدخل ومن يتعرّض للبطالة و المرض،...، طبقا لما هو متّبَع في نُظُمِ الضّمان الإجتماعيّ وهي التّرجمة الحديثة لما يقولون عن "مصارف الزّكاة".
8- كلّ ما جاءت به الشّريعة من أحكام عن الدّنيويّات، وسواء كانت في القرآن أو السّنّة إنّما أُنزِلت لعلّة هي بصفة عامّة العدل والمصلحة، فإذا حدث أن جعل التّطوّر النّصّ لا يحقّق العلّة - أي العدل والمصلحة - عدّلنا النّصّ بما يحقّق الغاية، وهو ما اهتدى إليه عمر بن الخطّاب في اجتهاداته المعروفة. كما يحدث أن يقضي التّطوّر على العلّة نفسها لينتفي الحكم، كما كان في أحكام الرّقّ أو الغنيمة أو الجزية،... فالإسلام لم يُوجِد هذه النّظم وإنّما وجدها وحاول إصلاحها حتّى وصل التّطوّر إلى درجة تمكّن من القضاء عليها، وهو ما أراده الإسلام.
9- مجاوزة السّلفيّة وعدم الإعتداد بها، فالسّلفيّة هي الماضويّة ولا نستطيع أن نعيش حاضرنا في ماضينا.
10- إستبعاد فكرة أنّ الإسلام يسيطر على كلّ شيء. إنّ الإسلام - على أهمّيته القصوى - ليس إلّا بُعدًا واحدا من أبعاد متعدّدة للحقيقة كالعلوم والفنون والآداب والفلسفة تنطلق كلّ من منطلقها الخاصّ، وتُقدّم عطاءها الّذي وإن اختلف عن عطاء الدّين، فإنّه لا يزاحمه ولا يناقضه، كما لا يتبعده الدين.
11- حرّيّة الفكر والإعتقاد مطلقة والعلاقة ما بين الأديان هي علاقة تعايش.
12- تحرير المرأة من الدّونيّة الّتي جاءت بها بضعة أحاديث ضعيفة أو موضوعة، وتقرير مساواتها بالرّجل.
                                                                                                    جمال البنّا
                                                                                            حقائق، العدد 144
                                                                             الجمعة 20 ماي 2011، ص. 24

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire